﴿ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماءِ والأرْضِ إنَّ ذَلِكَ في كِتابٍ إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾

اسْتِئْنافٌ لِزِيادَةِ تَحْقِيقِ التَّأْيِيدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ ﴿اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [الحج: ٦٩] . أيْ فَهو لا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِن أعْمالِكم فَيُجازِي كُلًّا عَلى حِسابِ عَمَلِهِ. فالكَلامُ كِنايَةٌ عَنْ جَزاءِ كُلٍّ بِما يَلِيقُ بِهِ. و﴿ما في السَّماءِ والأرْضِ﴾ يَشْمَلُ ما يَعْمَلُهُ المُشْرِكُونَ وما كانُوا يُخالِفُونَ فِيهِ.

والِاسْتِفْهامُ إنْكارِيٌّ أوْ تَقْرِيرِيٌّ، أيْ إنَّكَ تَعْلَمُ ذَلِكَ. وهَذا الكَلامُ كِنايَةٌ عَنِ التَّسْلِيَةِ أيْ فَلا تَضِقْ صَدْرًا مِمّا تُلاقِيهِ مِنهم. وجُمْلَةُ ﴿إنَّ ذَلِكَ في كِتابٍ﴾ بَيانٌ لِلْجُمْلَةِ قَبْلَها. أيْ يَعْلَمُ ما في السَّماءِ والأرْضِ عِلْمًا مُفَصَّلًا لا يَخْتَلِفُ، لِأنَّ شَأْنَ الكِتابِ أنْ لا تَتَطَرَّقَ إلَيْهِ الزِّيادَةُ والنُّقْصانُ. واسْمُ الإشارَةِ إلى العَمَلِ في قَوْلِهِ ﴿اللَّهُ أعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ [الحج: ٦٨] أوْ إلى (ما) في قَوْلِهِ ﴿ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ [النحل: ٩٢] .

صفحة ٣٣٢

والكِتابُ هو ما بِهِ حِفْظُ جَمِيعِ الأعْمالِ: إمّا عَلى تَشْبِيهِ تَمامِ الحِفْظِ بِالكِتابَةِ، وإمّا عَلى الحَقِيقَةِ، وهو جائِزٌ أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِذَلِكَ كِتابًا لائِقًا بِالمُغَيَّباتِ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّ ذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ بَيانٌ لِمَضْمُونِ الِاسْتِفْهامِ مِنَ الكِتانَةِ عَنِ الجَزاءِ.

واسْمُ الإشارَةِ عائِدٌ إلى مَضْمُونِ الِاسْتِفْهامِ مِنَ الكِنايَةِ فَتَأْوِيلُهُ بِالمَذْكُورِ. ولَكَ أنْ تَجْعَلَها بَيانًا لِجُمْلَةِ ﴿يَعْلَمُ ما في السَّماءِ والأرْضِ﴾ واسْمُ الإشارَةِ عائِدٌ إلى العِلْمِ المَأْخُوذِ مِن فِعْلِ (يَعْلَمُ)، أيْ أنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِما في السَّماءِ والأرْضِ لِلَّهِ حاصِلٌ دُونَ اكْتِسابٍ، لِأنَّ عِلْمَهُ ذاتِيٌّ لا يَحْتاجُ إلى مُطالَعَةٍ وبَحْثٍ. وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى مُتَعَلِّقِهِ وهو (يَسِيرٌ) لِلِاهْتِمامِ بِذِكْرِهِ لِلدَّلالَةِ عَلى إمْكانِهِ في جانِبِ عِلْمِ اللَّهِ تَعالى.