﴿بَلْ أتَيْناهم بِالحَقِّ وإنَّهم لَكاذِبُونَ﴾

إضْرابٌ لِإبْطالِ أنْ يَكُونُوا مَسْحُورِينَ، أيْ: بَلْ لَيْسَ الأمْرُ كَما خُيِّلَ إلَيْهِمْ، فالَّذِي أتَيْناهم بِهِ الحَقُّ يَعْنِي القُرْآنَ. والباءُ لِلتَّعْدِيَةِ كَما يُقالُ: ذَهَبَ بِهِ. أيْ: أذْهَبَهُ. وهَذا كَقَوْلِهِ آنِفًا: ﴿بَلْ أتَيْناهم بِذِكْرِهِمْ﴾ [المؤمنون: ٧١] .

والعُدُولُ عَنِ الخِطابِ مِن قَوْلِهِ: ﴿فَأنّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩] إلى الغَيْبَةِ التِفاتٌ؛ لِأنَّهُمُ المُوَجَّهُ إلَيْهِمُ الكَلامُ في هَذِهِ الجُمْلَةِ. والحَقُّ هُنا: الصِّدْقُ، فَلِذَلِكَ قُوبِلَ بِنِسْبَتِهِمْ إلى الكَذِبِ فِيما رَمَوْا بِهِ القُرْآنَ مِن قَوْلِهِمْ: ﴿إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: ٨٣] .

وفِي مُقابَلَةِ الحَقِّ بِـ (كاذِبُونَ) مُحَسِّنُ الطِّباقِ.

صفحة ١١٣

وتَأْكِيدُ نِسْبَتِهِمْ إلى الكَذِبِ بِـ (إنَّ) واللّامِ لِتَحْقِيقِ الخَبَرِ.

وقَدْ سُلِكَتْ في تَرْتِيبِ هَذِهِ الأدِلَّةِ طَرِيقَةُ التَّرَقِّي؛ فابْتُدِئَ بِالسُّؤالِ عَنْ مالِكِ الأرْضِ ومَن فِيها؛ لِأنَّها أقْرَبُ العَوالِمِ لِإدْراكِ المُخاطَبِينَ ثُمَّ ارْتُقِيَ إلى الِاسْتِدْلالِ بِرُبُوبِيَّةِ السَّماواتِ والعَرْشِ، ثُمَّ ارْتُقِيَ إلى ما هو أعَمُّ وأشْمَلُ وهو تَصَرُّفُهُ المُطْلَقُ في الأشْياءِ كُلِّها ولِذَلِكَ اجْتُلِبَتْ فِيهِ أداةُ العُمُومِ وهي (كُلُّ) .