﴿ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكم ورَحْمَتُهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ لَمَسَّكم في ما أفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾

(لَوْلا) هَذِهِ حَرْفُ امْتِناعٍ لِوُجُودٍ. والفَضْلُ في الدُّنْيا يَتَعَيَّنُ أنَّهُ إسْقاطُ عُقُوبَةِ الحَدِّ عَنْهم بِعَفْوِ عائِشَةَ وصَفْوانَ عَنْهم، وفي الآخِرَةِ إسْقاطُ العِقابِ

صفحة ١٧٧

عَنْهم بِالتَّوْبَةِ. والخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ رَأْسِ المُنافِقِينَ. وهَذِهِ الآيَةُ تُؤَيِّدُ ما عَلَيْهِ الأكْثَرُ أنَّ النَّبِيءَ ﷺ لَمْ يَحُدَّ حَدَّ القَذْفِ أحَدًا مِنَ العُصْبَةِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا في الإفْكِ. وهو الأصَحُّ مِنَ الرِّواياتِ: إمّا لِعَفْوِ عائِشَةَ وصَفْوانَ، وإمّا؛ لِأنَّ كَلامَهم في الإفْكِ كانَ تَخافُتًا وسِرارًا ولَمْ يَجْهَرُوا بِهِ ولَكِنَّهم أشاعُوهُ في أوْساطِهِمْ ومَجالِسِهِمْ. وهَذا الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ عائِشَةَ في الإفْكِ في صَحِيحِ البُخارِيِّ وكَيْفَ سَمِعَتِ الخَبَرَ مِن أُمِّ مِسْطَحٍ وقَوْلَها: أوَ قَدْ تُحُدِّثَ بِهَذا وبَلَغَ النَّبِيءَ وأبَوَيَّ ؟ وقِيلَ: حَدَّ حَسّانَ ومِسْطَحًا وحِمْنَةَ، قالَهُ ابْنُ إسْحاقَ وجَماعَةٌ، وأمّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقالَ فَرِيقٌ: إنَّهُ لَمْ يُحَدَّ حَدَّ القَذْفِ تَأْلِيفًا لِقَلْبِهِ لِلْإيمانِ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ أُبَيًّا جُلِدَ حَدَّ القَذْفِ أيْضًا.

والإفاضَةُ في القَوْلِ مُسْتَعارٌ مِن إفاضَةِ الماءِ في الإناءِ، أيْ كَثْرَتِهِ فِيهِ. فالمَعْنى: ما أكْثَرْتُمُ القَوْلَ فِيهِ والتَّحَدُّثَ بِهِ بَيْنَكم.