Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكم وتَقُولُونَ بِأفْواهِكم ما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ وتَحْسِبُونَهُ هَيِّنًا وهْوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾
(إذْ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِـ (أفَضْتُمْ) والمَقْصُودُ مِنهُ ومِنَ الجُمْلَةِ المُضافِ هو إلَيْها اسْتِحْضارُ صُورَةِ حَدِيثِهِمْ في الإفْكِ وبِتَفْظِيعِها.
وأصْلُ (تَلَقَّوْنَهُ) تَتَلَقَّوْنَهُ بِتاءَيْنِ حُذِفَتْ إحْداهُما. وأصْلُ التَّلَقِّي أنَّهُ التَّكَلُّفُ لِلِقاءِ الغَيْرِ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَلَقّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِماتٍ﴾ [البقرة: ٣٧] أيْ عَلِمَها ولَقَّنَها، ثُمَّ يُطْلَقُ التَّلَقِّي عَلى أخْذِ شَيْءٍ بِاليَدِ مِن يَدِ الغَيْرِ كَما قالَ الشَّمّاخُ:
إذا ما رايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ تَلَقّاها عَرابَةُ بِاليَمِينِ
وفِي الحَدِيثِ «مَن تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ ولا يَقْبَلُ اللَّهُ إلّا طَيِّبًا تَلَقّاها الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ» . . الحَدِيثَ، وذَلِكَ بِتَشْبِيهِ التَّهَيُّؤِ لِأخْذِ المُعْطىصفحة ١٧٨
بِالتَّهَيُّؤِ لِلِقاءِ الغَيْرِ وذَلِكَ هو إطْلاقُهُ في قَوْلِهِ ﴿إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِألْسِنَتِكُمْ﴾ . فَفي قَوْلِهِ: (بِألْسِنَتِكم) تَشْبِيهُ الخَبَرِ بِشَخْصٍ وتَشْبِيهُ الرّاوِي لِلْخَبَرِ بِمَن يَتَهَيَّأُ ويَسْتَعِدُّ لِلِقائِهِ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ فَجُعِلَتِ الألْسُنُ آلَةً لِلتَّلَقِّي عَلى طَرِيقَةٍ تَخْيِيلِيِّةٍ بِتَشْبِيهِ الألْسُنِ في رِوايَةِ الخَبَرِ بِالأيْدِي في تَناوُلِ الشَّيْءِ. وإنَّما جُعِلَتِ الألْسُنُ آلَةً لِلتَّلَقِّي مَعَ أنَّ تَلَقِّيَ الأخْبارِ بِالأسْماعِ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ هَذا التَّلَقِّي غايَتُهُ التَّحَدُّثُ بِالخَبَرِ جُعِلَتِ الألْسُنُ مَكانَ الأسْماعِ مَجازًا بِعَلاقَةِ الأيْلُولَةِ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ بِحِرْصِهِمْ عَلى تَلَقِّي هَذا الخَبَرِ فَهم حِينَ يَتَلَقَّوْنَهُ يُبادِرُونَ بِالإخْبارِ بِهِ بِلا تَرَوٍّ ولا تَرَيُّثٍ. وهَذا تَعْرِيضٌ بِالتَّوْبِيخِ أيْضًا.وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وتَقُولُونَ بِأفْواهِكُمْ﴾ فَوَجْهُ ذِكْرِ (بِأفْواهِكم) مَعَ أنَّ القَوْلَ لا يَكُونُ بِغَيْرِ الأفْواهِ أنَّهُ أُرِيدَ التَّمْهِيدُ لِقَوْلِهِ: ﴿ما لَيْسَ لَكم بِهِ عِلْمٌ﴾، أيْ: هو قَوْلٌ غَيْرُ مُوافِقٍ لِما في العِلْمِ ولَكِنَّهُ عَنْ مُجَرَّدِ تَصَوُّرٍ؛ لِأنَّ أدِلَّةَ العِلْمِ قائِمَةٌ بِنَقِيضِ مَدْلُولِ هَذا القَوْلِ فَصارَ الكَلامُ مُجَرَّدَ ألْفاظٍ تَجْرِي عَلى الأفْواهِ.
وفِي هَذا مِنَ الأدَبِ الأخْلاقِيِّ أنَّ المَرْءَ لا يَقُولُ بِلِسانِهِ إلّا ما يَعْلَمُهُ ويَتَحَقَّقُهُ وإلّا فَهو أحَدُ رَجُلَيْنِ: أفِنُ الرَّأْيِ يَقُولُ الشَّيْءَ قَبْلَ أنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الأمْرُ فَيُوشِكُ أنْ يَقُولَ الكَذِبَ فَيَحْسَبُهُ النّاسُ كَذّابًا. وفي الحَدِيثِ: بِـ «حَسْبُ المَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ»، أوْ رَجُلٌ مُمَوِّهٌ مُراءٍ يَقُولُ ما يَعْتَقِدُ خِلافَهُ قالَ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ في الحَياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما في قَلْبِهِ وهو ألَدُّ الخِصامِ﴾ [البقرة: ٢٠٤] وقالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: ٣] .
هَذا في الخَبَرِ وكَذَلِكَ الشَّأْنُ في الوَعْدِ فَلا يَعِدُ إلّا بِما يَعْلَمُ أنَّهُ يَسْتَطِيعُ الوَفاءَ بِهِ. وفي الحَدِيثِ «آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ» .
وزادَ في تَوْبِيخِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿وتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وهو عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، أيْ: تَحْسَبُونَ الحَدِيثَ بِالقَذْفِ أمْرًا هَيِّنًا. وإنَّما حَسِبُوهُ هَيِّنًا؛ لِأنَّهُمُ اسْتَخَفُّوا الغِيبَةَ والطَّعْنَ في النّاسِ اسْتِصْحابًا لِما كانُوا عَلَيْهِ في مُدَّةِ الجاهِلِيَّةِ إذْ لَمْ يَكُنْ
صفحة ١٧٩
لَهم وازِعٌ مِنَ الدِّينِ يَزَعُهم، فَلِذَلِكَ هم يَحْذَرُونَ النّاسَ فَلا يَعْتَدُونَ عَلَيْهِمْ بِاليَدِ وبِالسَّبِّ خَشْيَةً مِنهم، فَإذا خَلَوْا أمِنُوا مِن ذَلِكَ. فَهَذا سَبَبُ حُسْبانِهِمُ الحَدِيثَ في الإفْكِ شَيْئًا هَيِّنًا وقَدْ جاءَ الإسْلامُ بِإزالَةِ مَساوِي الجاهِلِيَّةِ وإتْمامِ مَكارِمِ الأخْلاقِ.والهَيِّنُ: مُشْتَقٌّ مِنَ الهَوانِ، وهَوانُ الشَّيْءِ عَدَمُ تَوْقِيرِهِ والمُبالاةِ بِشَأْنِهِ، يُقالُ: هانَ عَلى فُلانٍ كَذا، أيْ لَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ أمْرًا مُهِمًّا، والمَعْنى: شَيْئًا هَيِّنًا. وإنَّما حَسِبُوهُ هَيِّنًا مَعَ أنَّ الحَدَّ ثابِتٌ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ بِحَسَبِ ظاهِرِ تَرْتِيبِ الآيَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأرْبَعَةِ شُهَداءَ فاجْلِدُوهُمْ﴾ [النور: ٤] الآيَةَ لِجَوازِ أنَّهُ لَمْ تَحْدُثْ قَضِيَّةُ قَذْفٍ فِيما بَيْنَ نُزُولِ تِلْكَ الآيَةِ ونُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ، أوْ حَدَثَتْ قَضِيَّةُ عُوَيْمِرٍ العَجْلانِيِّ ولَمْ يَعْلَمْ بِها أصْحابُ الإفْكِ، أوْ حَسِبُوهُ هَيِّنًا لِغَفْلَتِهِمْ عَمّا تَقَدَّمَ مِن حُكْمِ الحَدِّ إذْ كانَ العَهْدُ بِهِ حَدِيثًا. وفِيهِ مِن أدَبِ الشَّرِيعَةِ أنَّ احْتِرامَ القَوانِينِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ سَواءً في الغَيْبَةِ والحَضْرَةِ والسِّرِّ والعَلانِيَةِ.
ومَعْنى (عِنْدَ اللَّهِ) في عِلْمِ اللَّهِ مِمّا شَرَعَهُ لَكم مِنَ الحُكْمِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] .