Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قُلْ أذَلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كانَتْ لَهم جَزاءً ومَصِيرًا﴾ ﴿لَهم فِيها ما يَشاءُونَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وعْدًا مَسْئُولًا﴾ .
صفحة ٣٣٥
الأمْرُ بِالقَوْلِ يَقْتَضِي مُخاطَبًا مَقُولًا لَهُ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ أنْ يَقْصِدَ: قُلْ لَهم، أيْ: لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الوَعِيدَ والتَّهْدِيدَ السّابِقَ: أذَلِكَ خَيْرٌ أمِ الجَنَّةُ ؟ فالجُمَلُ مُتَّصِلَةُ السِّياقِ، والِاسْتِفْهامُ حِينَئِذٍ لِلتَّهَكُّمِ؛ إذْ لا شُبْهَةَ في كَوْنِ الجَنَّةِ المَوْصُوفَةِ خَيْرًا. ويَجُوزُ أنْ يَقْصِدَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ، فالجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آياتِ الوَعِيدِ لِمُناسَبَةِ إبْداءِ البَوْنِ بَيْنَ حالِ المُشْرِكِينَ وحالِ المُؤْمِنِينَ. والِاسْتِفْهامُ حِينَئِذٍ مُسْتَعْمَلٌ في التَّمْلِيحِ والتَّلَطُّفِ. وهَذا كَقَوْلِهِ: (﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ [الصافات: ٦٢]) في سُورَةِ الصّافّاتِ.والإشارَةُ إلى المَكانِ الضَّيِّقِ في جَهَنَّمَ.
و(خَيْرٌ) اسْمُ تَفْضِيلٍ، وأصْلُهُ أخْيَرُ بِوَزْنِ اسْمِ التَّفْضِيلِ فَحُذِفَتِ الهَمْزَةُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ. والتَّفْضِيلُ عَلى المَحْمِلِ الأوَّلِ في مَوْقِعِ الآيَةِ مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّهَكُّمِ بِالمُشْرِكِينَ، وعَلى المَحْمِلِ الثّانِي مُسْتَعْمَلٌ لِلتَّمْلِيحِ في خِطابِ المُؤْمِنِينَ وإظْهارِ المِنَّةِ عَلَيْهِمْ.
ووَصْفُ المَوْعُودِينَ بِأنَّهم مُتَّقُونَ عَلى المَحْمِلِ الأوَّلِ جارٍ عَلى مُقْتَضى الظّاهِرِ، وعَلى المَحْمِلِ الثّانِي جارٍ عَلى خِلافِ مُقْتَضى الظّاهِرِ؛ لِأنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ يُوتى بِضَمِيرِ الخِطابِ، فَوَجْهُ العُدُولِ إلى الإظْهارِ ما يُفِيدُهُ (المُتَّقُونَ) مِنَ العُمُومِ لِلْمُخاطَبِينَ ومَن يَجِيءُ بَعْدَهم.
وجُمْلَةُ (﴿كانَتْ لَهم جَزاءً ومَصِيرًا﴾) تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ (﴿جَنَّةُ الخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾) لِما فِيها مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الجَنَّةِ بِتَنْكِيرِ (جَزاءً ومَصِيرًا) مَعَ الإيماءِ إلى أنَّهم وُعِدُوا بِها وعْدَ مُجازاةٍ عَلى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿نِعْمَ الثَّوابُ وحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا﴾ [الكهف: ٣١]) وقَوْلُهُ: (بِيسَ الشَّرابُ وساءَتْ مُرْتَفَقًا) في سُورَةِ الكَهْفِ.
وجُمْلَةُ (﴿لَهم فِيها ما يَشاءُونَ﴾) )، حالٌ مِن (﴿جَنَّةُ الخُلْدِ﴾)، أوْ صِفَةٌ ثانِيَةٌ. وجُمْلَةُ (﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وعْدًا مَسْئُولًا﴾) حالٌ ثانِيَةٌ والرّابِطُ مَحْذُوفٌ إذِ التَّقْدِيرُ: وعْدًا لَهم.
والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في (﴿كانَ عَلى رَبِّكَ وعْدًا﴾) عائِدٌ إمّا إلى الوَعْدِ المَفْهُومِ
صفحة ٣٣٦
مِن قَوْلِهِ: (﴿الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾)، أيْ: كانَ الوَعْدُ وعْدًا مَسْئُولًا. وأخْبَرَ عَنِ الوَعْدِ بِـ (وعْدًا) وهو عَيْنُهُ لِيُبْنى عَلَيْهِ (مَسْئُولًا) .ويَجُوزُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إلى (ما يَشاءُونَ)، والإخْبارُ عَنْهُ بِـ (وعْدًا) مِنَ الإخْبارِ بِالمَصْدَرِ والمُرادُ المَفْعُولُ كالخَلْقِ بِمَعْنى المَخْلُوقِ.
ويَتَعَلَّقُ (عَلى رَبِّك) بِـ (وعْدًا) لِتَضْمِينِ (وعْدًا) مَعْنى (حَقًّا) لِإفادَةِ أنَّهُ (وعْدًا) لا يُخْلَفُ كَقَوْلِهِ تَعالى: (﴿وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]) .
والمَسْئُولُ: الَّذِي يَسْألُهُ مُسْتَحِقُّهُ ويُطالِبُ بِهِ، أيْ حَقًّا لِلْمُتَّقِينَ أنْ يَتَرَقَّبُوا حُصُولَهُ كَأنَّهُ أجْرٌ لَهم عَنْ عَمَلٍ. وهَذا مَسُوقٌ مَساقَ المُبالَغَةِ في تَحْقِيقِ الوَعْدِ والكَرَمِ كَما يَشْكُرُكَ شاكِرٌ عَلى إحْسانٍ فَتَقُولُ: ما أتَيْتُ إلّا واجِبًا؛ إذْ لا يَتَبادَرُ هُنا غَيْرُ هَذا المَعْنى؛ إذْ لا مَعْنى لِلْوُجُوبِ عَلى اللَّهِ تَعالى سِوى أنَّهُ تَفَضُّلٌ وتَعَهُّدٌ بِهِ، ولا يَخْتَلِفُ في هَذا أهْلُ المِلَّةِ وإنَّما اخْتَلَفُوا في جَوازِ إخْلافِ الوَعْدِ.