Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما في سِتَّةِ أيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ الرَّحْمَنُ فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾ .
أُجْرِيَتْ هَذِهِ الصِّلَةُ وصْفًا ثانِيًا لِـ (الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) لِاقْتِضائِها سِعَةَ العِلْمِ وسِعَةَ القُدْرَةِ وعَظِيمَ المَجْدِ، فَصاحِبُها حَقِيقٌ بِأنْ يُتَوَكَّلَ عَلَيْهِ ويُفَوَّضَ أمْرُ الجَزاءِ إلَيْهِ. وهَذا تَخَلُّصٌ إلى العَوْدِ إلى الِاسْتِدْلالِ عَلى تَصَرُّفِ اللَّهِ تَعالى بِالخَلْقِ.
وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ في سِتَّةِ أيّامٍ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وعَلى الِاسْتِواءِ في سُورَةِ الأعْرافِ.
و(الرَّحْمَنُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هو الرَّحْمَنُ. وهَذا مِن حَذْفِ المُسْنَدِ إلَيْهِ الغالِبِ في الِاسْتِعْمالِ عِنْدَما تَتَقَدَّمُ أخْبارٌ أوْ أوْصافٌ لِصاحِبِها، ثُمَّ يُرادُ الإخْبارُ عَنْهُ بِما هو إفْصاحٌ عَنْ وصْفٍ جامِعٍ لِما مَضى أوْ أهَمَّ في الغَرَضِ مِمّا تَقَدَّمَهُ، فَإنَّ وصْفَ الرَّحْمَنِ أهَمُّ في الغَرَضِ المَسُوقِ لَهُ الكَلامُ وهو الأمْرُ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، فَإنَّهُ وصْفٌ يَقْتَضِي أنَّهُ يُدَبِّرُ أُمُورَ مَن تَوَكَّلَ عَلَيْهِ بِقَوِيِّ الإسْعافِ.
صفحة ٦١
وفُرِّعَ عَلى وصْفِهِ بِـ (الرَّحْمَنُ) قَوْلُهُ: (﴿فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾) لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ في رَحْمَتِهِ مِنَ العَظَمَةِ والشُّمُولِ ما لا تَفِي فِيهِ العِبارَةُ فَيَعْدِلُ عَنْ زِيادَةِ التَّوْصِيفِ إلى الحِوالَةِ عَلى العَلِيمِ بِتَصارِيفِ رَحْمَتِهِ مُجَرِّبٌ لَها مُتَلَقٍّ أحادِيثَها مِمَّنْ عَلِمَها وجَرَّبَها.وتَنْكِيرُ (خَبِيرًا) لِلدَّلالَةِ عَلى العُمُومِ، فَلا يُظَنُّ خَبِيرًا مُعَيَّنًا؛ لِأنَّ النَّكِرَةَ إذا تَعَلَّقَ بِها فِعْلٌ اقْتَضَتْ عُمُومًا بِدَلِيلِ أيِّ خَبِيرٍ سَألْتَهُ أعْلَمَكَ.
وهَذا يَجْرِي مَجْرى المَثَلِ، ولَعَلَّهُ مِن مُبْتَكَراتِ القُرْآنِ نَظِيرَ قَوْلِ العَرَبِ: (عَلى الخَبِيرِ سَقَطْتَ) يَقُولُها العارِفُ بِالشَّيْءِ إذا سُئِلَ عَنْهُ. والمَثَلانِ وإنْ تَساوَيا في عَدَدِ الحُرُوفِ المَنطُوقِ بِها فالمَثَلُ القُرْآنِيُّ أفْصَحُ لِسَلامَتِهِ مِن ثِقَلِ تَلاقِي القافِ والطّاءِ والتّاءِ في (سَقَطْتَ) . وهو أيْضًا أشْرَفُ لِسَلامَتِهِ مِن مَعْنى السُّقُوطِ، وهو أبْلَغُ مَعْنًى لِما فِيهِ مِن عُمُومِ كُلِّ خَبِيرٍ، بِخِلافِ قَوْلِهِمْ: عَلى الخَبِيرِ سَقَطْتَ، لِأنَّها إنَّما يَقُولُها الواحِدُ المُعَيَّنُ. وقَرِيبٌ مِن مَعْنى (﴿فاسْألْ بِهِ خَبِيرًا﴾) قَوْلُ النّابِغَةِ:
هَلّا سَألْتَ بَنِي ذُبْيانَ ما حَسَبِـي إذا الدُّخانُ تَغَشّى الأشْمَطَ البَرِما
إلى قَوْلِهِ:يُخْبِرُكُ ذُو عِرْضِهِمْ عَنِّي وعالِمُهم ∗∗∗ ولَيْسَ جاهِلُ شَيْءٍ مِثْلَ مَن عَلِما
والباءُ في (بِهِ) بِمَعْنى (عَنْ) أيْ فاسْألْ عَنْهُ كَقَوْلِ عَلْقَمَةَ:فَإنْ تَسْألُونِي بِالنِّساءِ فَإنَّنِي ∗∗∗ خَبِيرٌ بِأدْواءِ النِّساءِ طَبِيبُ
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الباءُ مُتَعَلِّقَةً بِـ (خَبِيرًا) وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ لِلرَّعْيِ عَلى الفاصِلَةِ ولِلِاهْتِمامِ، فَلَهُ سَبَبانِ.