Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ ألا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣]) أيْ: هَذِهِ شِنْشَنَتُهم، فَلا تَأْسَفْ لِعَدَمِ إيمانِهِمْ بِآياتِ الكِتابِ المُبِينِ، وما يَجِيئُهم مِنها مِن بَعْدُ فَسَيُعْرِضُونَ عَنْهُ؛ لِأنَّهم عُرِفُوا بِالإعْراضِ.
والمُضارِعُ هُنا لِإفادَةِ التَّجَدُّدِ والِاسْتِمْرارِ. فالذِّكْرُ هو القُرْآنُ؛ لِأنَّهُ تَذْكِيرٌ لِلنّاسِ بِالأدِلَّةِ. وقَدْ تَقَدَّمَ وجْهُ تَسْمِيَتِهِ ذِكْرًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿وقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦]) في سُورَةِ الحِجْرِ.
والمُحْدَثُ: الجَدِيدُ، أيْ: مَن ذِكْرٍ بَعْدَ ذِكْرٍ يُذَكِّرُهم بِما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ مِن قَبْلِهِ، فالمَعْنى المُسْتَفادُ مِن وصْفِهِ بِالمُحَدَثِ غَيْرُ المَعْنى المُسْتَفادِ مِن إسْنادِ صِيغَةِ المُضارِعِ في قَوْلِهِ: (﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ﴾ [الأنبياء: ٢]) . فَأفادَ الأمْرانِ أنَّهُ ذِكْرٌ مُتَجَدِّدٌ مُسْتَمِرٌّ، وأنْ بَعْضَهُ يُعْقِبُ بَعْضًا ويُؤَيِّدُهُ. وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الأنْبِياءِ قَوْلُهُ:
صفحة ٩٨
(﴿ما يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ مِن رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إلّا اسْتَمَعُوهُ وهم يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢] ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣]) .وذُكِرَ اسْمُ الرَّحْمَنِ هُنا دُونَ وصْفِ الرَّبِّ كَما في سُورَةِ الأنْبِياءِ؛ لِأنَّ السِّياقَ هُنا لِتَسْلِيَةِ النَّبِيءِ ﷺ عَلى إعْراضِ قَوْمِهِ فَكانَ في وصْفِ مُؤْتِي الذِّكْرِ بِالرَّحْمَنِ تَشْنِيعٌ لِحالِ المُعْرِضِينَ وتَعْرِيضٌ لِغَباوَتِهِمْ أنْ يُعْرِضُوا عَمّا هو رَحْمَةٌ لَهم، فَإذا كانُوا لا يُدْرِكُونَ صَلاحَهم، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ حَسَراتٍ عَلى قَوْمٍ أضاعُوا نَفْعَهم، وأنْتَ قَدْ أرْشَدْتَهم إلَيْهِ وذَكَّرْتَهم كَما قالَ المَثَلُ: (لا يَحْزُنْكَ دَمٌ هَراقَهُ أهْلُهُ) وقالَ النّابِغَةُ:
فَإنْ تَغْلِبْ شَقاوَتُكم عَلَيْكم فَإنِّي في صَلاحِكم سَعَيْتُ
وفِي الإتْيانِ بِفِعْلِ (كانُوا) وخَبَرِهِ دُونَ أنْ يُقالَ: إلّا أعْرَضُوا، إفادَةُ أنَّ إعْراضَهم راسِخٌ فِيهِمْ وأنَّهُ قَدِيمٌ مُسْتَمِرٌّ إذْ أخْبَرَ عَنْهم قَبْلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (﴿ألّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣])، فانْتِفاءُ كَوْنِ إيمانِهِمْ واقِعًا هو إعْراضٌ مِنهم عَنْ دَعْوَةِ الرَّسُولِ الَّتِي طَرِيقُها الذِّكْرُ بِالقُرْآنِ فَإذا أتاهم ذِكْرٌ بَعْدَ الذِّكْرِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنُوا بِسَبَبِهِ وجَدَهم عَلى إعْراضِهِمُ القَدِيمِ.و(مِن) في قَوْلِهِ (مِن ذِكْرٍ) مُؤَكِّدَةٌ لِعُمُومِ نَفْيِ الأحْوالِ.
و(مِن) الَّتِي في قَوْلِهِ: (﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾) ابْتِدائِيَّةٌ.
والِاسْتِثْناءُ مِن أحْوالٍ عامَّةٍ فَجُمْلَةُ (﴿كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾) في مَوْضِعِ الحالِ مِن ضَمِيرِ (﴿يَأْتِيهِمْ مِن ذِكْرٍ﴾) . وتَقَدَّمَ المَجْرُورُ لِرِعايَةِ الفاصِلَةِ.