Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿قالَ كَلّا فاذْهَبا بِآياتِنا إنّا مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾ ﴿فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبِّ العالَمِينَ﴾ ﴿أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾ .
(كَلّا) حَرْفُ إبْطالٍ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿كَلّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ﴾ [مريم: ٧٩]) في سُورَةِ مَرْيَمَ. والإبْطالُ لِقَوْلِهِ: (﴿فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ [الشعراء: ١٤])، أيْ: لا يَقْتُلُونَكَ. وفي هَذا الإبْطالِ اسْتِجابَةٌ لِما تَضَمَّنَهُ التَّعْرِيضُ بِالدُّعاءِ حِينَ قالَ: (﴿ولَهم عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ [الشعراء: ١٤]) .
وقَوْلُهُ: (﴿فاذْهَبا بِآياتِنا﴾) تَفْرِيعٌ عَلى مُفادِ كَلِمَةِ (كَلّا) . والأمْرُ لِمُوسى أنْ يَذْهَبَ هو وهارُونُ يَقْتَضِي أنَّ مُوسى مَأْمُورٌ بِإبْلاغِ هارُونَ ذَلِكَ فَكانَ مُوسى رَسُولًا إلى هارُونَ بِالنُّبُوءَةِ. ولِذَلِكَ جاءَ في التَّوْراةِ أنَّ مُوسى أبْلَغَ أخاهُ هارُونَ ذَلِكَ عِنْدَما تَلَقّاهُ في حُورِيبَ إذْ أوْحى اللَّهُ إلى هارُونَ أنْ يَتَلَقّاهُ، والباءُ لِلْمُصاحَبَةِ، أيْ مُصاحِبَيْنِ لِآياتِنا، وهو وعْدٌ بِالتَّأْيِيدِ بِمُعْجِزاتٍ تَظْهَرُ عِنْدَ الحاجَةِ. ومِنَ الآياتِ: العَصا الَّتِي انْقَلَبَتْ حَيَّةً عِنْدَ المُناجاةِ، وكَذَلِكَ بَياضُ يَدِهِ كَما في آيَةِ سُورَةِ طه (﴿وما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى﴾ [طه: ١٧]) الآياتِ.
وجُمْلَةُ (﴿إنّا مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾) مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا؛ لِأنَّ أمْرَهُما بِالذَّهابِ إلى فِرْعَوْنَ يُثِيرُ في النَّفْسِ أنْ يَتَعامى فِرْعَوْنُ عَنِ الآياتِ ولا يَرْعَوِيَ عِنْدَ رُؤْيَتِها عَنْ إلْحاقِ أذًى بِهِما فَأُجِيبُ بِأنَّ اللَّهَ مَعَهُما ومُسْتَمِعٌ لِكَلامِهِما وما يُجِيبُ فِرْعَوْنُ بِهِ. وهَذا كِنايَةٌ عَنْ عَدَمِ إهْمالِ تَأْيِيدِهِما وكَفِّ فِرْعَوْنَ عَنْ أذاهُما. فَضَمِيرُ (مَعَكم) عائِدٌ
صفحة ١٠٩
إلى مُوسى وهارُونَ وقَوْمِ فِرْعَوْنَ. والمَعِيَّةُ مَعِيَّةُ عِلْمٍ كالَّتِي في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿إلّا هو مَعَهم أيْنَ ما كانُوا﴾ [المجادلة: ٧]) .و(﴿مُسْتَمِعُونَ﴾) أشَدُّ مُبالَغَةً مِن (سامِعُونَ)؛ لِأنَّ أصْلَ الِاسْتِماعِ أنَّهُ تَكَلُّفُ السَّماعِ والتَّكَلُّفُ كِنايَةٌ عَنِ الِاعْتِناءِ، فَأُرِيدَ هَنا عِلْمٌ خاصٌّ بِما يَجْرِي بَيْنَهُما وبَيْنَ فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ وهو العِلْمُ الَّذِي تُوافِقُهُ العِنايَةُ واللُّطْفُ.
والجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ (﴿بِآياتِنا﴾) وقَوْلِهِ: (﴿إنّا مَعَكم مُسْتَمِعُونَ﴾) تَأْكِيدٌ لِلطَّمْأنَةِ ورِباطَةٌ لِجَأْشِهِما.
والرَّسُولُ: فَعُولٌ بِمَعْنى مُفْعَلٍ، أيْ: مُرْسَلٍ. والأصْلُ فِيهِ مُطابَقَةُ مَوْصُوفِهِ، بِخِلافِ فَعُولٍ بِمَعْنى فاعِلٍ، فَحَقُّهُ عَدَمُ المُطابَقَةِ سَماعًا، وفَعُولٌ بِمَعْنى اسْمِ المَفْعُولِ قَلِيلٌ في كَلامِهِمْ ومِنهُ: بَقَرَةٌ ذَلُولٌ، وقَوْلُهم: صَبُوحٌ، لِما يُشْرَبُ في الصَّباحِ، وغَبُوقٌ، لِما يُشْرَبُ في العَشِيِّ، والنَّشُوقُ، لِما يُنَشَّقُ مِن دَواءٍ ونَحْوِهِ. ولَكِنْ رَسُولٌ يَجُوزُ فِيهِ أنْ يُجْرى مَجْرى المَصْدَرِ فَلا يُطابِقُ ما يَجْرِي عَلَيْهِ في تَأْنِيثٍ وما عَدا الإفْرادَ، ووَرَدَ في كَلامِهِمْ بِالوَجْهَيْنِ تارَةً مُلازِمًا الإفْرادَ والتَّذْكِيرَ كَما في هَذِهِ الآيَةِ، ووَرَدَ مُطابِقًا كَما في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿فَقُولا إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]) في سُورَةِ طه، فَذَهَبَ الجَوْهَرِيُّ إلى أنَّهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ كَوْنِهِ اسْمًا بِمَعْنى مَفْعُولٍ وبَيْنَ كَوْنِهِ اسْمَ مَصْدَرٍ، ولَمْ يَجْعَلْهُ مَصْدَرًا؛ إذْ لا يُعْرَفُ فَعُولٌ مَصْدَرًا لِغَيْرِ الثُّلاثِيِّ، واحْتَجَّ بِقَوْلِ الأشْعَرِ الجُعْفِيِّ:
ألا أبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو رَسُولًا بِأنِّي عَنْ فُتاحَتِكم غَنِـيٌّ
(الفُتاحَةُ: الحُكْمُ) . وتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ في هَذِهِ الآيَةِ إذْ قالَ: الرَّسُولُ يَكُونُ بِمَعْنى المُرْسَلِ وبِمَعْنى الرِّسالَةِ فَجُعَلَ ثَمَّ (أيْ في قَوْلِهِ: ( ﴿إنّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]) في سُورَةِ طَه ) بِمَعْنى المُرْسَلِ، وجُعَلَ هُنا بِمَعْنى الرِّسالَةِ. وقَدْ قالَ أبُو ذُؤَيْبِ الهُذَلِيُّ:ألِكْنِي إلَيْها وخَيْرُ الرَّسُو ∗∗∗ لِ أعْلَمُهم بِنَواحِي الخَبَرِ
فَهَلْ مِن رِيبَةٍ في أنَّ ضَمِيرَ الرَّسُولِ في البَيْتِ مُرادٌ بِهِ المُرْسَلُونَ. وتَصْرِيحُ النُّحاةِ بِأنَّ فَعُولًا الَّذِي بِمَعْنى المَفْعُولِ يَجُوزُ إجْراؤُهُ عَلى حالَةِ المُتَّصِفِ بِهِ مِنَ التَّذْكِيرِ والتَّأْنِيثِ فَيَجُوزُ أنْ تَقُولَ: ناقَةٌ رَكُوبَةٌ ورُكُوبٌ، يَقْتَضِي أنَّ التَّثْنِيَةَ والجَمْعَ فِيهِصفحة ١١٠
مِثْلُ التَّأْنِيثِ. وقَدْ تَقَدَّمَتِ الإشارَةُ إلى هَذا في سُورَةِ طه وأحَلْنا تَحْقِيقَهُ عَلى ما هُنا.ومُبادَأةُ خِطابِهِما فِرْعَوْنَ بِأنْ وصَفا اللَّهَ بِصِفَةِ رَبِّ العالَمِينَ مُجابَهَةٌ لِفِرْعَوْنَ بِأنَّهُ مَرْبُوبٌ ولَيْسَ بِرَبٍّ، وإثْباتُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعالى لِلْعالَمِينَ. والنَّفْيُ يَقْتَضِي وحْدانِيَّةَ اللَّهِ تَعالى؛ لِأنَّ العالَمِينَ شامِلٌ جَمِيعَ الكائِناتِ فَيَشْمَلُ مَعْبُوداتِ القِبْطِ كالشَّمْسِ وغَيْرِها فَهَذِهِ كَلِمَةٌ جامِعَةٌ لِما يَجِبُ اعْتِقادُهُ يَوْمَئِذٍ.
وجُمْلَةُ (﴿أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِي إسْرائِيلَ﴾) تَفْسِيرِيَّةٌ لِما تَضَمَّنَهُ (رَسُولُ) مِنَ الرِّسالَةِ الَّتِي هي في مَعْنى القَوْلِ، أيْ هَذا قَوْلُ رَبِّ العالَمِينَ لَكَ. و(﴿أرْسِلْ مَعَنا﴾) أطْلِقْ ولا تَحْبِسْهم، فالإرْسالُ هُنا لَيْسَ بِمَعْنى التَّوْجِيهِ. وهَذا الكَلامُ يَتَضَمَّنُ أنَّ مُوسى أمَرَ بِإخْراجِ بَنِي إسْرائِيلَ مِن بِلادِ الفَراعِنَةِ لِقَصْدِ تَحْرِيرِهِمْ مِنِ اسْتِعْبادِ المِصْرِيِّينَ كَما سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (﴿أنْ عَبَّدْتَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾ [الشعراء: ٢٢])، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ البَقَرَةِ بَيانُ أسْبابِ سُكْنى بَنِي إسْرائِيلَ بِأرْضِ مِصْرَ ومَواطِنِهِمْ بِها وعَمَلِهِمْ لِفِرْعَوْنَ.