﴿قالَ لِمَن حَوْلَهُ ألا تَسْتَمِعُونَ﴾ .

أعْرَضَ فِرْعَوْنُ عَنْ خِطابِ مُوسى واسْتَثارَ نُفُوسَ المَلَأِ مِن حَوْلِهِ وهم أهْلُ مَجْلِسِهِ فاسْتَفْهَمَهُمُ اسْتِفْهامَ تَعَجُّبٍ مِن حالِهِمْ كَيْفَ لَمْ يَسْتَمِعُوا ما قالَهُ مُوسى فَنَزَّلَهم مَنزِلَةَ مَن لَمْ يَسْتَمِعْهُ تَهْيِيجًا لِنُفُوسِهِمْ كَيْ لا تَتَمَكَّنَ مِنهم حُجَّةُ مُوسى، فَسَلَّطَ الِاسْتِفْهامَ عَلى نَفْيِ اسْتِماعِهِمْ كَما تَقَدَّمَ. وهَذا التَّعَجُّبُ مِن حالِ اسْتِماعِهِمْ وسُكُوتِهِمْ يَقْتَضِي التَّعَجُّبَ مِن كَلامِ مُوسى بِطَرِيقِ فَحْوى الخِطابِ فَهو كِنايَةٌ عَنْ تَعَجُّبٍ آخَرَ. ومَرْجِعُ التعَجُّبَيْنِ أنَّ إثْباتَ رَبٍّ واحِدٍ لِجَمِيعِ المَخْلُوقاتِ مُنْكَرٌ عِنْدَ فِرْعَوْنَ؛ لِأنَّهُ كانَ مُشْرِكًا فَيَرى تَوْحِيدَ الإلَهِ لا يَصِحُّ السُّكُوتُ عَلَيْهِ، ولِكَوْنِ خِطابِ فِرْعَوْنَ لِمَن حَوْلُهُ يَتَضَمَّنُ جَوابًا عَنْ كَلامِ مُوسى حُكِيَ كَلامُ فِرْعَوْنَ بِالصِّيغَةِ الَّتِي اعْتِيدَتْ في القُرْآنِ حِكايَةُ المُقاوَلاتِ بِها، كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ، كَأنَّهُ يُجِيبُ مُوسى عَنْ كَلامِهِ.