﴿قالَ رَبُّكم ورَبُّ آبائِكُمُ الأوَّلِينَ﴾ .

كَلامُ مُوسى هَذا في مَعْرِضِ الجَوابِ عَنْ تَعْجِيبِ فِرْعَوْنَ مِن سُكُوتِ مَن حَوْلَهُ، فَلِذَلِكَ كانَتْ حِكايَتُهُ قَوْلَهُ عَلى الطَّرِيقَةِ الَّتِي تُحْكى بِها المُقاوَلاتُ. ولَمّا كانَ في كَلامِ فِرْعَوْنَ إعْراضٌ عَنْ مُخاطَبَةِ مُوسى إذْ تَجاوَزَهُ إلى مُخاطَبَةِ مَن حَوْلَهُ وجَّهَ مُوسى خِطابَهُ إلى جَمِيعِهِمْ، وإذْ رَأى مُوسى أنَّهم جَمِيعًا لَمْ يَهْتَدُوا إلى الِاقْتِناعِ بِالِاسْتِدْلالِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ العَوالِمَ الَّذِي ابْتَدَأ بِهِ هو أوْسَعُ دَلالَةً عَلى وُجُودِ اللَّهِ تَعالى ووَحْدانِيَّتِهِ إذْ في كُلِّ شَيْءٍ مِمّا في السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ

صفحة ١١٩

واحِدٌ، فَنَزَلَ بِهِمْ إلى الِاسْتِدْلالِ بِأنْفُسِهِمْ وبِآبائِهِمْ إذْ أوْجَدَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ العَدَمِ، ثُمَّ أعْدَمَ آباءَهم بَعْدَ وُجُودِهِمْ؛ لِأنَّ أحْوالَ أنْفُسِهِمْ وآبائِهِمْ أقْرَبُ إلَيْهِمْ وأيْسَرُ اسْتِدْلالًا عَلى خالِقِهِمْ، فالِاسْتِدْلالُ الأوَّلُ يَمْتازُ بِالعُمُومِ، والِاسْتِدْلالُ الثّانِي يَمْتازُ بِالقُرْبِ مِنَ الضَّرُورَةِ فَإنَّ كَثِيرًا مِنَ العُقَلاءِ تَوَهَّمُوا السَّماواتِ قَدِيمَةً واجِبَةَ الوُجُودِ، فَأمّا آباؤُهم فَكَثِيرٌ مِنَ السّامِعِينَ شَهِدُوا انْعِدامَ كَثِيرٍ مِن آبائِهِمْ بِالمَوْتِ، وكَفى بِهِ دَلِيلًا عَلى انْتِفاءِ القِدَمَ الدّالِّ عَلى انْتِفاءِ الإلَهِيَّةِ.

وشَمِلَ عُمُومُ الآباءَ بِإضافَتِهِ إلى الضَّمِيرِ وبِوَصْفِهِ بِالأوَّلِينَ بَعْضَ مَن يَزْعُمُونَهم في مَرْتَبَةِ الآلِهَةِ مِثْلَ الفَراعِنَةِ القُدَماءِ المُلَقَّبِينَ عِنْدَهم بِأبْناءِ الشَّمْسِ والشَّمْسُ مَعْدُودَةٌ في الآلِهَةِ ويُمَثِّلُها الصَّنَمُ (آمُونُ رَعْ) .

والرَّبُّ: الخالِقُ والسَّيِّدُ بِمُوجِبِ الخالِقِيَّةِ.