Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهْوَ يَهْدِينِ﴾ ﴿والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾ ﴿وإذا مَرِضْتُ فَهْوَ يَشْفِينِ﴾ ﴿والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ ﴿والَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ .
الأظْهَرُ أنَّ المَوْصُولَ في مَوْضِعِ نَعْتٍ لِ (رَبَّ العالَمِينَ) وأنَّ (﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾) عَطْفٌ عَلى الصِّلَةِ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ إذا كانَ هو الخالِقُ فَهو الأوْلى بِتَدْبِيرِ مَخْلُوقاتِهِ دُونَ أنْ يَتَوَلّاها غَيْرُهُ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ مُبْتَدَأً مُسْتَأْنَفًا بِهِ ويَكُونَ (﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾) خَبَرًا عَنْ (الَّذِي) . وزِيدَتِ الفاءُ في الخَبَرِ لِمُشابَهَةِ المَوْصُولِ لِلشَّرْطِ. وعَلى الِاحْتِمالَيْنِ فَفي المَوْصُولِيَّةِ إيماءٌ إلى وجْهِ بِناءِ الخَبَرِ وهو الِاسْتِدْراكُ بِالِاسْتِثْناءِ الَّذِي في قَوْلِهِ (﴿إلّا رَبَّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٧٧])، أيْ: ذَلِكَ هو الَّذِي أُخْلِصُ لَهُ؛ لِأنَّهُ خَلَقَنِي كَقَوْلِهِ في الآيَةِ الأُخْرى: ﴿إنِّي وجَّهْتُ وجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ والأرْضَ﴾ [الأنعام: ٧٩] .
وتَقْدِيمُ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ في قَوْلِهِ: (﴿فَهُوَ يَهْدِينِ﴾) دُونَ أنْ يَقُولَ: فَيَهْدِينِ، لِتَخْصِيصِهِ بِأنَّهُ مُتَوَلِّي الهِدايَةِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأنَّ المَقامَ لِإبْطالِ اعْتِقادِهِمْ تَصَرُّفَ أصْنامَهم بِالقَصْرِ الإضافِيِّ، وهو قَصْرُ قَلْبٍ. ولَيْسَ الضَّمِيرُ ضَمِيرَ فَصْلٍ؛ لِأنَّ ضَمِيرَ الفَصْلِ لا يَقَعُ بَعْدَ العاطِفِ.
والتَّعْبِيرُ بِالمُضارِعِ في قَوْلِهِ: (﴿يَهْدِينِ﴾)؛ لِأنَّ الهِدايَةَ مُتَجَدِّدَةٌ لَهُ. وجُعِلَ فِعْلُ الهِدايَةِ مُفَرَّعًا بِالفاءِ عَلى فِعْلِ الخَلْقِ؛ لِأنَّهُ مُعاقِبٌ لَهُ؛ لِأنَّ الهِدايَةَ بِهَذا المَعْنى مِن مُقْتَضى الخَلْقِ؛ لِأنَّها ناشِئَةٌ عَنْ خَلْقِ العَقْلِ كَما قالَ تَعالى: ﴿الَّذِي أعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ [طه: ٥٠] . والمُرادُ بِالهِدايَةِ الدَّلالَةُ عَلى طُرُقِ العِلْمِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: ١٠] فَيَكُونُ المَعْنى: الَّذِي خَلَقَنِي جَسَدًا وعَقْلًا. ومِنَ الهِدايَةِ المَذْكُورَةِ دَفْعُ وساوِسِ الباطِلِ عَنِ العَقْلِ حَتّى يَكُونَ إعْمالُ النَّظَرِ مَعْصُومًا مِنَ الخَطَأِ.
صفحة ١٤٣
والقَوْلُ في تَقْدِيمِ المُسْنَدِ إلَيْهِ عَلى الخَبَرِ الفِعْلِيِّ في قَوْلِهِ: ﴿والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾ وقَوْلِهِ: (﴿فَهُوَ يَشْفِينِ﴾) كالقَوْلِ في سابِقِهِما لِلرَّدِّ عَلى زَعْمِهِمْ أنَّ الأصْنامَ تُقَدِّرُ لَهم تَيْسِيرَ ما يَأْكُلُونَ وما يَشْرَبُونَ وبِها بُرْؤُهم إذا مَرِضُوا، ولَيْسا بِضَمِيرَيْ فَصْلٍ أيْضًا.وعُطِفَ (إذا مَرِضْتُ) عَلى (﴿يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾)؛ لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَ قالَ ذَلِكَ مَرِيضًا فَإنَّ (إذا) تُخَلِّصُ الفِعْلَ بَعْدَها لِلْمُسْتَقْبَلِ، أيْ: إذا طَرَأ عَلَيَّ مَرَضٌ.
وفِي إسْنادِهِ فِعْلَ المَرَضِ إلى نَفْسِهِ تَأدُّبٌ مَعَ اللَّهِ راعى فِيهِ الإسْنادَ إلى الأسْبابِ الظّاهِرَةِ في مَقامِ الأدَبِ، فَأسْنَدَ إحْداثَ المَرَضِ إلى ذاتِهِ؛ ولِأنَّهُ المُتَسَبِّبُ فِيهِ، فَأمّا قَوْلُهُ: (﴿والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾) فَلَمْ يَأْتِ فِيهِ ما يَقْتَضِي الحَصْرَ؛ لِأنَّهم لَمْ يَكُونُوا يَزْعُمُونَ أنَّ الأصْنامَ تُمِيتُ بَلْ عَمَلُ الأصْنامِ قاصِرٌ عَلى الإعانَةِ أوِ الإعاقَةِ في أعْمالِ النّاسِ في حَياتِهِمْ. فَأمّا المَوْتُ فَهو مِن فِعْلِ الدَّهْرِ والطَّبِيعَةِ إنْ كانُوا دَهْرِيِّينَ وإنْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنَّ الخَلْقَ والإحْياءَ والإماتَةَ لَيْسَتْ مِن شُئُونِ الأصْنامِ وأنَّها مِن فِعْلِ اللَّهِ تَعالى كَما يَعْتَقِدُ المُشْرِكُونَ مِنَ العَرَبِ فَظاهِرٌ.
وتَكْرِيرُ اسْمِ المَوْصُولِ في المَواضِعِ الثَّلاثَةِ مَعَ أنَّ مُقْتَضى الظّاهِرِ أنْ تُعْطَفَ الصِّلَتانِ عَلى الصِّلَةِ الأُولى لِلِاهْتِمامِ بِصاحِبِ تِلْكَ الصِّلاتِ الثَّلاثِ؛ لِأنَّها نَعْتٌ عَظِيمٌ لِلَّهِ تَعالى فَحَقِيقٌ أنْ يُجْعَلَ مُسْتَقِلًّا بِدَلالَتِهِ.
وأطْلَقَ عَلى رَجاءِ المَغْفِرَةِ لَفْظَ الطَّمَعِ تَواضُعًا لِلَّهِ تَعالى، ومُباعَدَةً لِنَفْسِهِ عَنْ هاجِسِ اسْتِحْقاقِهِ المَغْفِرَةَ، وإنَّما طَمَعَ في ذَلِكَ لِوَعْدِ اللَّهِ بِذَلِكَ.
والخَطِيئَةُ: الذَّنْبُ. يُقالُ: خَطِئَ إذا أذْنَبَ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿نَغْفِرْ لَكم خَطاياكُمْ﴾ [البقرة: ٥٨] في البَقَرَةِ. والمَقْصُودُ في لِسانِ الشَّرائِعِ: مُخالَفَةُ ما أمَرَ بِهِ الشَّرْعُ. وإذْ قَدْ كانَ إبْراهِيمُ حِينَئِذٍ نَبِيئًا والأنْبِياءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الذُّنُوبِ كَبِيرِها وصَغِيرِها فالخَطِيئَةُ مِنهم هي مُخالَفَةُ مُقْتَضى المَقامِ النَّبَوِيِّ.
والمَغْفِرَةُ: العَفْوُ عَنِ الخَطايا، وإنَّما قَيَّدَهُ بِ (يَوْمَ الدِّينِ)؛ لِأنَّهُ اليَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ أثَرُ العَفْوِ، فَأمّا صُدُورُ العَفْوِ مِنَ اللَّهِ لِمِثْلِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ فَفي الدُّنْيا، وقَدْ يَغْفِرُ خَطايا بَعْضِ الخاطِئِينَ يَوْمَ القِيامَةِ بَعْدَ الشَّفاعَةِ.
صفحة ١٤٤
ويَوْمُ الدِّينِ: هو يَوْمُ الجَزاءِ، وهَذا الكَلامُ خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ تَعْرِيضًا بِالدُّعاءِ. وقَدْ أشارَ في هَذِهِ النُّعُوتِ إلى ما هو مِن تَصَرُّفاتِ اللَّهِ في العالَمِ الحِسِّيِّ بِحَيْثُ لا يَخْفى عَنْ أحَدٍ قَصْدًا لِاقْتِصاصِ إيمانِ المُشْرِكِينَ إنْ رامُوا الِاهْتِداءَ.وفِي تِلْكَ النُّعُوتِ إشارَةٌ إلى أنَّها مُهَيِّئاتٌ لِلْكَمالِ النَّفْسانِيِّ فَقَدْ جَمَعَتْ كَلِماتِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَعَ دَلالَتِها عَلى انْفِرادِ اللَّهِ بِالتَّصَرُّفِ في تِلْكَ الأفْعالِ الَّتِي هي أصْلُ أطْوارِ الخَلْقِ الجُسْمانِيِّ دَلالَةً أُخْرى عَلى جَمِيعِ أُصُولِ النِّعَمِ مِن أوَّلِ الخَلْقِ إلى الخَلْقِ الثّانِي وهو البَعْثُ، فَذَكَرَ خَلْقَ الجَسَدِ وخَلْقَ العَقْلِ وإعْطاءَ ما بِهِ بَقاءُ المَخْلُوقِ وهو الغِذاءُ والماءُ، وما يَعْتَرِي المَرْءَ مِنَ اخْتِلالِ المِزاجِ وشِفائِهِ، وذَكَرَ المَوْتَ الَّذِي هو خاتِمَةُ الحَياةِ الأُولى، وأعْقَبَهُ بِذِكْرِ الحَياةِ الثّانِيَةِ لِلْإشارَةِ إلى أنَّ المَوْتَ حالَةٌ لا يَظْهَرُ كَوْنُها نِعْمَةً إلّا بِغَوْصِ فِكْرٍ ولَكِنَّ وراءَهُ حَياةٌ هي نِعْمَةٌ لا مَحالَةَ لِمَن شاءَ أنْ تَكُونَ لَهُ نِعْمَةٌ.
وحُذِفَتْ ياءاتُ المُتَكَلِّمِ مِن (يَهْدِينِ، ويَسْقِينِ، ويَشْفِينِ، ويُحْيِينِ) لِأجْلِ التَّخْفِيفِ ورِعايَةِ الفاصِلَةِ؛ لِأنَّها يُوقَفُ عَلَيْها وفَواصِلُ هَذِهِ السُّورَةِ أكْثَرُها بِالنُّونِ السّاكِنَةِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ﴾ [الشعراء: ١٤] في قِصَّةِ مُوسى المُتَقَدِّمَةِ.