صفحة ١٧٤

﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إذْ قالَ لَهم أخُوهم صالِحٌ ألا تَتَّقُونَ﴾ ﴿إنِّي لَكم رَسُولٌ أمِينٌ﴾ ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأطِيعُونِ﴾ ﴿وما أسْألُكم عَلَيْهِ مِن أجْرٍ إنْ أجْرِيَ إلّا عَلى رَبِّ العالَمِينَ﴾ .

مَوْقِعُ هَذا الجُمْلَةِ اسْتِئْنافُ تَعْدادٍ وتَكْرِيرٍ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ: ﴿كَذَّبَتْ عادٌ المُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ١٢٣] . والكَلامُ عَلى هَذِهِ الآياتِ مِثْلُ الكَلامِ عَلى نَظِيرِها في قِصَّةِ نُوحٍ، وثَمُودَ قَدْ كَذَّبُوا المُرْسَلِينَ؛ لِأنَّهم كَذَّبُوا صالِحًا وكَذَّبُوا هُودًا؛ لِأنَّ صالِحًا وعَظَهم بِعادٍ في قَوْلِهِ: ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ عادٍ﴾ [الأعراف: ٧٤] في سُورَةِ الأعْرافِ وبِتَكْذِيبِهِمْ هُودًا كَذَّبُوا بِنُوحٍ أيْضًا؛ لِأنَّ هُودًا ذَكَّرَ قَوْمَهُ بِمَصِيرِ قَوْمِ نُوحٍ في آيَةِ ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾ [الأعراف: ٦٩] .

وتَقَدَّمَ ذِكْرُ ثَمُودَ وصالِحٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا﴾ [الأعراف: ٧٣] في سُورَةِ الأعْرافِ، وكانَ صالِحٌ مَعْرُوفًا بِالأمانَةِ؛ لِأنَّهُ لا يُرْسَلُ رَسُولٌ إلّا وهو مَعْرُوفٌ بِالفَضائِلِ و﴿اللَّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالاتِهِ﴾ [الأنعام: ١٢٤] وقَدْ دَلَّ عَلى هَذا المَعْنى قَوْلُهم: ﴿إنَّما أنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٣] المُقْتَضِي تَغْيِيرَ حالِهِ عَمّا كانَ عَلَيْهِ وهو ما حَكاهُ اللَّهُ عَنْ قَوْمِهِ: ﴿قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذا﴾ [هود: ٦٢] في سُورَةِ هُودٍ. وحَذْفُ ياءِ المُتَكَلِّمِ مِن (أطِيعُونِ) هو مِثْلُ نَظائِرِهِ المُتَقَدِّمَةِ آنِفًا.