Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٨٦
﴿قالُوا إنَّما أنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ﴾ ﴿وما أنْتَ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا وإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾ ﴿فَأسْقِطْ عَلَيْنا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ ﴿قالَ رَبِّيَ أعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ .نَفَوْا رِسالَتَهُ عَنِ اللَّهِ كِنايَةً وتَصْرِيحًا فَزَعَمُوهُ مَسْحُورًا، أيْ: مُخْتَلُّ الإدْراكِ والتَّصَوُّراتِ مِن جَرّاءِ سِحْرٍ سُلِّطَ عَلَيْهِ. وذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ بُطْلانِ أنْ يَكُونَ ما جاءَ بِهِ رِسالَةً عَنِ اللَّهِ. وفي صِيغَةِ (مِنَ المُسَحَّرِينَ) مِنَ المُبالَغَةِ ما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ (﴿مِنَ المَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء: ١١٦]، مِنَ ﴿المُسَحَّرِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٣]، ﴿مِنَ المُخْرِجِينَ﴾ [الشعراء: ١٦٧]) .
والإتْيانُ بِواوِ العَطْفِ في قَوْلِهِ (﴿وما أنْتَ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا﴾) يَجْعَلُ كَوْنَهُ بَشَرًا إبْطالًا ثانِيًا لِرِسالَتِهِ. وتَرْكُ العَطْفِ في قِصَّةِ ثَمُودَ يَجْعَلُ كَوْنُهُ بَشَرًا حُجَّةً عَلى أنَّ ما يَصْدُرُ مِنهُ لَيْسَ وحْيًا عَلى اللَّهِ بَلْ هو مِن تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَسْحُورًا. فَمَآلُ مَعْنَيَيِ الآيَتَيْنِ مُتَّحِدٌ ولَكِنَّ طَرِيقَ إفادَتِهِ مُخْتَلِفٌ وذَلِكَ عَلى حَسَبِ أُسْلُوبِ الحِكايَتَيْنِ.
وأُطْلِقَ الظَّنُّ عَلى اليَقِينِ في (﴿وإنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ﴾) وهو إطْلاقٌ شائِعٌ كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهم مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٤٦]، وقَرِينَتُهُ هُنا دُخُولُ اللّامِ عَلى المَفْعُولِ الثّانِي لِ (ظَنَّ)؛ لِأنَّ أصْلَها لامُ قَسَمٍ.
و(إنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ، واللّامُ في (لَمِنَ الكاذِبِينَ) اللّامُ الفارِقَةُ، وحَقُّها أنْ تَدْخُلَ عَلى ما أصْلُهُ الخَبَرُ فَيُقالُ هُنا مَثَلًا: وإنْ أنْتَ لَمِنَ الكاذِبِينَ، لَكِنَّ العَرَبَ تَوَسَّعُوا في المُخَفَّفَةِ فَكَثِيرًا ما يُدْخِلُونَها عَلى الفِعْلِ النّاسِخِ لِشِدَّةِ اخْتِصاصِهِ بِالمُبْتَدَأِ والخَبَرِ فَيَجْتَمِعُ في الجُمْلَةِ حِينَئِذٍ ناسِخانِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ [البقرة: ١٤٣] وكانَ أصْلُ التَّرْكِيبِ في مَثَلِهِ: ونَظُنُّ أنَّكَ لَمِنَ الكاذِبِينَ، فَوَقَعَ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ لِأجْلِ تَصْدِيرِ حَرْفِ التَّوْكِيدِ؛ لِأنَّ (إنَّ) وأخَواتِها لَها صَدْرُ الكَلامِ ما عَدا (أنِ) المَفْتُوحَةَ. وأحْسَبُ أنَّهم ما يُخَفِّفُونَ (إنَّ) إلّا عِنْدَ إرادَةِ الجَمْعِ بَيْنَها وبَيْنَ فِعْلٍ مِنَ النَّواسِخِ عَلى طَرِيقَةِ التَّنازُعِ، فالَّذِي يَقُولُ: إنْ أظُنُّكَ لَخائِفًا، أرادَ أنْ يَقُولَ: أظُنُّ أنَّكَ لَخائِفٌ، فَقَدَّمَ (إنَّ) وخَفَّفَها وصَيَّرَ خَبَرَها مَفْعُولًا لِفِعْلِ الظَّنِّ، فَصارَ: إنْ أظُنُّكَ لَخائِفًا، والكُوفِيُّونَ يَجْعَلُونَ (إنْ) في مِثْلِ هَذا المَوْقِعِ حَرْفَ نَفْيٍ ويَجْعَلُونَ اللّامَ بِمَعْنى (إلّا) .
صفحة ١٨٧
والأمْرُ في (فَأسْقِطْ) أمْرُ تَعْجِيزٍ.والكِسْفُ بِكَسْرِ الكافِ وسُكُونِ السِّينِ في قِراءَةِ مَن عَدا حَفْصًا: القِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ. وقالَ في الكَشّافِ: هو جَمْعُ كِسْفَةٍ مِثْلُ قِطْعٍ وسِدْرٍ. والأوَّلُ أظْهَرُ قالَ تَعالى: ﴿وإنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّماءِ ساقِطًا﴾ [الطور: ٤٤] .
وقَرَأ حَفْصٌ (كِسَفًا) بِكَسْرِ الكافِ وفَتْحِ السِّينِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ (كَسْفٍ) كَما في قَوْلِهِ ﴿أوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا﴾ [الإسراء: ٩٢]، وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ الإسْراءِ.
وقَوْلُهم: ﴿إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ كَقَوْلِ ثَمُودَ: ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ١٥٤] إلّا أنَّ هَؤُلاءِ عَيَّنُوا الآيَةَ فَيُحْتَمَلُ أنَّ تَعْيِينَها اقْتِراحٌ مِنهم، ويُحْتَمَلُ أنَّ شُعَيْبًا أنْذَرَهم بِكِسَفٍ يَأْتِي فِيهِ عَذابٌ. وذَلِكَ هو يَوْمُ الظُّلَّةِ المَذْكُورُ في هَذِهِ الآيَةِ، فَكانَ جَوابُ شُعَيْبٍ بِإسْنادِ العِلْمِ إلى اللَّهِ فَهو العالِمُ بِما يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ العَذابِ ومِقْدارِهِ. و(أعْلَمُ) هُنا مُبالَغَةٌ في العالِمِ ولَيْسَ هو بِتَفْضِيلٍ.