﴿ذِكْرى وما كُنّا ظالِمِينَ﴾ .

أيْ هَذِهِ ذِكْرى، فَذِكْرى في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الخَبَرِيَّةِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةُ السِّياقِ كَقَوْلِهِ تَعالى في سُورَةِ الأحْقافِ (بَلاغٌ) أيْ: هَذا بَلاغٌ، وفي سُورَةِ إبْراهِيمَ (﴿هَذا بَلاغٌ لِلنّاسِ﴾ [إبراهيم: ٥٢])، وفي سُورَةِ ص (هَذا ذِكْرٌ) . والمَعْنى: هَذِهِ ذِكْرى لَكم يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. وهَذا المَعْنى هو أحْسَنُ الوُجُوهِ في مَوْقِعِ قَوْلِهِ (ذِكْرى) وهو قَوْلُ أبِي إسْحاقَ الزَّجّاجِ والفَرّاءِ وإنِ اخْتَلَفا في تَقْدِيرِ المَحْذُوفِ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: لَيْسَ في الشُّعَراءِ وقْفٌ تامٌّ إلّا قَوْلَهُ (﴿إلّا لَها مُنْذِرُونَ﴾ [الشعراء: ٢٠٨]) .

وقَدْ تَرَدَّدَ الزَّمَخْشَرِيُّ في مَوْقِعِ قَوْلِهِ (ذِكْرى) بِوُجُوهٍ جَعَلَها جَمِيعًا عَلى اعْتِبارِ قَوْلِهِ: (ذِكْرى) تَكْمِلَةً لِلْكَلامِ السّابِقِ وهي غَيْرُ خَلِيَّةٍ عَنْ تَكَلُّفٍ. والذِّكْرى: اسْمُ مَصْدَرِ ذَكَّرَ.

وجُمْلَةُ (﴿وما كُنّا ظالِمِينَ﴾) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى (ذِكْرى) لِأنَّهُ كالمَصْدَرِ يَقْتَضِي مُسْنَدًا إلَيْهِ، وعَلى الوَجْهَيْنِ فَمُفادُ (وما كُنّا ظالِمِينَ) الإعْذارُ لِكَفّارِ قُرَيْشٍ والإنْذارُ بِأنَّهم سَيَحِلُّ بِهِمْ هَلاكٌ.

وحَذْفُ مَفْعُولِ (ظالِمِينَ) لِقَصْدِ تَعْمِيمِهِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩] .