﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المُعَذَّبِينَ﴾ .

لَمّا وجَّهَ الخِطابَ إلى النَّبِيءِ ﷺ مِن قَوْلِهِ: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ عَلى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء: ١٩٣] إلى هُنا، في آياتٍ أشادَتْ بِنُزُولِ القُرْآنِ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى وحَقَّقَتْ صِدْقَهُ بِأنَّهُ مَذْكُورٌ في كُتُبِ الأنْبِياءِ السّالِفِينَ وشَهِدَ بِهِ عُلَماءُ بَنِي إسْرائِيلَ، وأنْحى عَلى المُشْرِكِينَ بِإبْطالِ ما ألْصَقُوهُ بِالقُرْآنِ مِن بُهْتانِهِمْ، لا جَرَمَ اقْتَضى ذَلِكَ ثُبُوتَ ما جاءَ بِهِ القُرْآنُ. وأصْلُ ذَلِكَ هو إبْطالُ دِينِ الشِّرْكِ الَّذِي تَقَلَّدَتْهُ قُرَيْشٌ وغَيْرُها وناضَلَتْ عَلَيْهِ بِالأكاذِيبِ؛ فَناسَبَ أنْ يَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنِ الإشْراكِ بِاللَّهِ والتَّحْذِيرِ مِنهُ.

فَقَوْلُهُ: ﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ﴾ خِطابٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَعُمُّ كُلَّ مَن يَسْمَعُ هَذا الكَلامَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ الخِطابُ مُوَجَّهًا إلى النَّبِيءِ ﷺ؛ لِأنَّهُ المُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ تَعالى، فَلِلِاهْتِمامِ بِهَذا النَّهْيِ وقَعَ تَوْجِيهُهُ إلى النَّبِيءِ ﷺ مَعَ تَحَقُّقِ أنَّهُ مُنْتَهٍ عَنْ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلَّذِينِ هم مُتَلَبِّسُونَ بِالإشْراكِ، ونَظِيرُ هَذا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ولَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وإلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] . والمَقْصُودُ مِن مِثْلِ ذَلِكَ الخِطابِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَبْلُغُهُ الخِطابُ.

فالمَعْنى: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَكُونُوا مِنَ المُعَذَّبِينَ. وفي هَذا تَعْرِيضٌ بِالمُشْرِكِينَ أنَّهم سَيُعَذَّبُونَ لِلْعِلْمِ بِأنَّ النَّبِيءَ ﷺ وأصْحابَهُ غَيْرُ مُشْرِكِينَ.