﴿واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ .

مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الجُمْلَتَيْنِ ابْتِدارًا لِكَرامَةِ المُؤْمِنِينَ قَبْلَ الأمْرِ بِالتَّبَرُّؤِ مِنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، وبَعْدَ الأمْرِ بِالإنْذارِ الَّذِي لا يَخْلُو مِن وقْعٍ ألِيمٍ في النُّفُوسِ.

وخَفْضُ الجَناحِ: مَثَلٌ لِلْمُعامَلَةِ بِاللِّينِ والتَّواضُعِ. وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿واخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الحجر: ٨٨] في سُورَةِ الحِجْرِ، وقَوْلِهِ: ﴿واخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: ٢٤]

صفحة ٢٠٣

فِي سُورَةِ الإسْراءِ. والجَناحُ لِلطّائِرِ بِمَنزِلَةِ اليَدَيْنِ لِلدَّوابِّ، وبِالجَناحَيْنِ يَكُونُ الطَّيَرانُ.

و(﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾) بَيانٌ لِ (﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ﴾) فَإنَّ المُرادَ المُتابَعَةُ في الدِّينِ وهي الإيمانُ. والغَرَضُ مِن هَذا البَيانِ التَّنْوِيهُ بِشَأْنِ الإيمانِ كَأنَّهُ قِيلَ: واخْفِضْ جَناحَكَ لَهم لِأجْلِ إيمانِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨] وجَبْرٍ لِخاطِرِ المُؤْمِنِينَ مِن قَرابَتِهِ. ولِذَلِكَ لَمّا نادى في دُعائِهِ صَفِيَّةَ قالَ: عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ. ولَمّا نادى فاطِمَةَ قالَ: بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ. تَأْنِيسًا لَهُما، فَهَذا مِن خَفْضِ الجَناحِ ولَمْ يُقَلْ مِثْلَ ذَلِكَ لِلْعَبّاسِ؛ لِأنَّهُ كانَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكًا.