Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿فَأصْبَحَ في المَدِينَةِ خائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإذا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ ﴿فَلَمّا أنْ أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هو عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ إنْ تُرِيدُ إلّا أنْ تَكُونَ جَبّارًا في الأرْضِ وما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ﴾ أيْ أصْبَحَ خائِفًا مِن أنْ يُطالَبَ بِدَمِ القِطْبِيِّ الَّذِي قَتَلَهُ وهو يَتَرَقَّبُ، أيْ يُراقِبُ ما يُقالُ في شَأْنِهِ لِيَكُونَ مُتَحَفِّزًا لِلِاخْتِفاءِ، أوِ الخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ؛ لِأنَّ خَبَرَ قَتْلِ القِبْطِيِّ لَمْ يَفْشُ أمْرُهُ؛ لِأنَّهُ كانَ في وقْتٍ تَخْلُو فِيهِ أزِقَّةُ المَدِينَةِ كَما تَقَدَّمَ؛ فَلِذَلِكَ كانَ مُوسى يَتَرَقَّبُ أنْ يَظْهَرَ أمْرُ القِبْطِيِّ المَقْتُولِ.
و”إذا“ لِلْمُفاجَأةِ، أيْ فَفاجَأهُ أنَّ الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَنْصِرُهُ اليَوْمَ.
صفحة ٩٤
والتَّعْرِيفُ في الأمْسِ عِوَضٌ عَنِ المُضافِ إلَيْهِ، أيْ بِأمْسِهِ إذْ لَيْسَ هو أمْسًا لِوَقْتِ نُزُولِ الآيَةِ.والِاسْتِصْراخُ: المُبالَغَةُ في الصُّراخِ، أيِ النِّداءِ، وهو المُعَبَّرُ عَنْهُ في القِصَّةِ الماضِيَةِ بِالِاسْتِغاثَةِ فَخُولِفَ بَيْنَ العِبارَتَيْنِ لِلتَّفَنُّنِ.
وقَوْلُ مُوسى لَهُ ﴿إنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ تَذَمُّرٌ مِنَ الإسْرائِيلِيِّ إذْ كانَ اسْتِصْراخُهُ السّالِفُ سَبَبًا في قَتْلِ نَفْسٍ، وهَذا لا يَقْتَضِي عَدَمَ إجابَةِ اسْتِصْراخِهِ وإنَّما هو بِمَنزِلَةِ التَّشاؤُمِ واللَّوْمِ عَلَيْهِ في كَثْرَةِ خُصُوماتِهِ.
والغَوِيُّ: الشَّدِيدُ الغَوايَةِ، وهي الضَّلالُ وسُوءُ النَّظَرِ، أيْ أنَّكَ تُشادُّ مَن لا تُطِيقُهُ ثُمَّ تَرُومُ الغَوْثَ مِنِّي يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، ولَيْسَ المُرادُ أنَّهُ ظالِمٌ أوْ مُفْسِدٌ؛ لِأنَّهُ لَوْ كانَ كَذَلِكَ لَما أرادَ أنْ يَبْطِشَ بِعَدُوِّهِ.
والبَطْشُ: الأخْذُ بِالعُنْفِ، والمُرادُ بِهِ الضَّرْبُ. وظاهِرُ قَوْلِهِ ”عَدُوٌّ لَهُما“ أنَّهُ قِبْطِيٌّ. ورُبَّما جُعِلَ عَدُوًّا لَهُما؛ لِأنَّ عَداوَتَهُ لِلْإسْرائِيلِيِّ مَعْرُوفَةٌ فاشِيَةٌ بَيْنَ القِبْطِ وأمّا عَداوَتُهُ لِمُوسى فَلِأنَّهُ أرادَ أنْ يَظْلِمَ رَجُلًا، والظُّلْمُ عَدُوٌّ لِنَفْسِ مُوسى؛ لِأنَّهُ نَشَأ عَلى زَكاءِ نَفْسٍ هَيَّأها اللَّهُ لِلرِّسالَةِ. والِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلٌ في الإنْكارِ.
والجَبّارُ: الَّذِي يَفْعَلُ ما يُرِيدُ مِمّا يُضِرُّ بِالنّاسِ، ويُؤاخِذُ النّاسَ بِالشِّدَّةِ دُونَ الرِّفْقِ. وتَقَدَّمَ في سُورَةِ الرَّعْدِ قَوْلُهُ ﴿وخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٥]، وفي سُورَةِ مَرْيَمَ قَوْلُهُ ﴿ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] .
والمَعْنى: إنَّكَ تُحاوِلُ أنْ تَكُونَ مُتَصَرِّفًا بِالِانْتِقامِ وبِالشِّدَّةِ ولا تُحاوِلُ أنْ تَكُونَ مِنَ المُصْلِحِينَ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ بِأنْ تَسْعى في التَّراضِي بَيْنَهُما. ويَظْهَرُ أنَّ كَلامَ القِبْطِيِّ زَجْرٌ لِمُوسى عَنِ البَطْشِ بِهِ، وصارَ بَيْنَهُما حِوارًا أعْقَبَهُ مَجِيءُ رَجُلٍ مِن أقْصى المَدِينَةِ.