﴿وجَعَلْناهم أيِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ ويَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واسْتَكْبَرَ هو وجُنُودُهُ﴾ [القصص: ٣٩] أيِ اسْتَكْبَرُوا فَكانُوا يَنْصُرُونَ الضَّلالَ ويَبُثُّونَهُ، أيْ جَعَلْناهُ وجُنُودَهُ أيِمَّةً لِلضَّلالَةِ المُفْضِيَةِ إلى النّارِ فَكَأنَّهم يَدْعُونَ إلى النّارِ فَكُلٌّ يَدْعُو بِما تَصِلُ إلَيْهِ يَدُهُ؛ فَدَعْوَةُ فِرْعَوْنَ أمْرُهُ، ودَعْوَةُ كَهَنَتِهِ بِاخْتِراعِ قَواعِدِ الضَّلالَةِ وأوْهامِها، ودَعْوَةُ جُنُودِهِ، بِتَنْفِيذِ ذَلِكَ والِانْتِصارِ لَهُ.

والأيِمَّةُ: جَمْعُ إمامٍ وهو مَن يُقْتَدى بِهِ في عَمَلٍ مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ قالَ تَعالى (﴿وجَعَلْناهم أيِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا﴾ [الأنبياء: ٧٣]) . ومَعْنى جَعْلِهِمْ أيِمَّةً يَدْعُونَ إلى النّارِ: خَلْقُ نُفُوسِهِمْ مُنْصَرِفَةً إلى الشَّرِّ ومُعْرِضَةً عَنِ الإصْغاءِ لِلرُّشْدِ وكانَ وُجُودُهم بَيْنَ ناسٍ ذَلِكَ شَأْنُهم. فالجَعْلُ جَعْلٌ تَكْوِينِيٌّ بِجَعْلِ أسْبابِ ذَلِكَ، واللَّهُ بَعَثَ إلَيْهِمُ الرُّسُلَ لِإرْشادِهِمْ فَلَمْ يَنْفَعْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ أصَرُّوا عَلى الكُفْرِ.

والدُّعاءُ إلى النّارِ هو الدُّعاءُ إلى العَمَلِ الَّذِي يُوقِعُ في النّارِ فَهي دَعْوَةٌ إلى النّارِ بِالمَآلِ. وإذا كانُوا يَدْعُونَ إلى النّارِ فَهم مِن أهْلِ النّارِ بِالأحْرى، فَلِذَلِكَ قالَ ﴿ويَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾ أيْ لا يَجِدُونَ مَن يَنْصُرُهم فَيَدْفَعُ عَنْهم عَذابَ النّارِ.

ومُناسِبَةُ عَطْفِ ”﴿ويَوْمَ القِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ﴾“ هي أنَّ الدُّعاءَ يَقْتَضِي جُنْدًا وأتْباعًا يَعْتَزُّونَ بِهِمْ في الدُّنْيا، ولَكِنَّهم لا يُجْدُونَ عَنْهم يَوْمَ القِيامَةِ، قالَ ”﴿وقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأ مِنهم كَما تَبَرَّءُوا مِنّا﴾ [البقرة: ١٦٧]“ .