﴿ولَقَدْ وصَّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَوْلا أنْ تُصِيبَهم مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ﴾ [القصص: ٤٧] الآيَةَ، وما عُطِفَ عَلَيْها مِن قَوْلِهِ ﴿فَلَمّا جاءَهُمُ الحَقُّ مِن عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى﴾ [القصص: ٤٨] .

والتَّوْصِيلُ: مُبالَغَةٌ في الوَصْلِ، وهو ضَمُّ بَعْضِ الشَّيْءِ إلى بَعْضٍ، يُقالُ: وصَلَ الحَبْلَ إذا ضَمَّ قِطَعَهُ بَعْضَها إلى بَعْضٍ فَصارَ حَبْلًا.

والقَوْلُ مُرادٌ بِهِ القُرْآنُ، قالَ تَعالى ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق: ١٣] وقالَ ﴿إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [الحاقة: ٤٠]، فالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ، أيِ القَوْلُ المَعْهُودُ. ولِلتَّوْصِيلِ أحْوالٌ كَثِيرَةٌ فَهو بِاعْتِبارِ ألْفاظِهِ وُصِّلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، ولَمْ يَنْزِلْ جُمْلَةً واحِدَةً، وبِاعْتِبارِ مَعانِيهِ وُصِّلَ أصْنافًا مِنَ الكَلامِ وعْدًا، ووَعِيدًا، وتَرْغِيبًا، وتَرْهِيبًا، وقَصَصًا ومَواعِظَ وعِبَرًا، ونَصائِحَ يَعْقُبُ بَعْضُها بَعْضًا، ويَنْتَقِلُ مِن فَنٍّ إلى فَنٍّ، وفي كُلِّ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلى نَشاطِ الذِّهْنِ لِلتَّذَكُّرِ والتَّدَبُّرِ.

واللّامُ و”قَدْ“ كِلاهُما لِلتَّأْكِيدِ رَدًّا عَلَيْهِ إذْ جَهِلُوا حِكْمَةَ تَنْجِيمِ نُزُولِ القُرْآنِ وذُكِرَتْ لَهم حِكْمَةُ تَنْجِيمِهِ هُنا بِما يَرْجِعُ إلى فائِدَتِهِمْ بِقَوْلِهِ لَعَلَّهم يَذَّكَّرُونَ. وذُكِرَ في آيَةِ سُورَةِ الفُرْقانِ حِكْمَةٌ أُخْرى راجِعَةٌ إلى فائِدَةِ الرَّسُولِ ﷺ بِقَوْلِهِ وقالُوا ﴿لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ﴾ [الفرقان: ٣٢] وفُهِمَ مِن ذَلِكَ أنَّهم لَمْ يَتَذَكَّرُوا. وضَمِيرُ ”لَهم“ عائِدٌ إلى المُشْرِكِينَ.