﴿فَأمّا مَن تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صالِحًا فَعَسى أنْ يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ﴾

تَخَلَّلَ بَيْنَ حالِ المُشْرِكِينَ ذِكْرُ حالِ الفَرِيقِ المُقابِلِ، وهو فَرِيقُ المُؤْمِنِينَ عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِراضِ؛ لِأنَّ الأحْوالَ تَزْدادُ تَمَيُّزًا بِذِكْرِ أضْدادِها، والفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلى ما أفادَهُ قَوْلُهُ: ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنْباءُ﴾ [القصص: ٦٦] مِن أنَّهم حَقَّ عَلَيْهِمُ العَذابُ.

ولَمّا كانَتْ ”أمّا“ تُفِيدُ التَّفْصِيلَ وهو التَّفْكِيكُ والفَصْلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ أوْ أشْياءَ في حُكْمٍ فَهي مُفِيدَةٌ هُنا أنَّ غَيْرَ المُؤْمِنِينَ خاسِرُونَ في الآخِرَةِ، وذَلِكَ ما وقَعَ الإيماءُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَهم لا يَتَساءَلُونَ﴾ [القصص: ٦٦] فَإنَّهُ يَكْتَفِي بِتَفْصِيلِ أحَدِ الشَّيْئَيْنِ عَنْ ذِكْرِ مُقابِلِهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ واعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهم في رَحْمَةٍ مِنهُ وفَضْلٍ﴾ [النساء: ١٧٥] أيْ وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فَبِضِدِّ ذَلِكَ.

والتَّوْبَةُ هُنا: الإقْلاعُ عَنِ الشِّرْكِ والنَّدَمُ عَلى تَقَلُّدِهِ، وعَطْفُ الإيمانِ عَلَيْها لِأنَّ المَقْصُودَ حُصُولُ إقْلاعٍ عَنْ عَقائِدِ الشِّرْكِ وإحْلالِ عَقائِدِ الإسْلامِ مَحَلَّها؛ ولِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْهِ ﴿وعَمِلَ صالِحًا﴾؛ لِأنَّ بَعْضَ أهْلِ الشِّرْكِ كانُوا شاعِرِينَ بِفَسادِ دِينِهِمْ

صفحة ١٦٤

وكانَ يَصُدُّهم عَنْ تَقَلُّدِ شَعائِرِ الإسْلامِ أسْبابٌ مُغْرِيَةٌ مِنَ الأعْراضِ الزّائِلَةِ الَّتِي فُتِنُوا بِها.

و”عَسى“ تَرَجٍّ لِتَمْثِيلِ حالِهِمْ بِحالِ مَن يُرْجى مِنهُ الفَلاحُ. و﴿أنْ يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ﴾ أشَدُّ في إثْباتِ الفَلاحِ مِن ”أنْ يُفْلِحَ“، كَما تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.