﴿ورَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهم وما يُعْلِنُونَ﴾

عَطْفٌ عَلى ﴿ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ﴾ [القصص: ٦٨] أيْ هو خالِقُهم ومُرَكِّبُهم عَلى النِّظامِ الَّذِي تَصْدُرُ عَنْهُ الأفْعالُ والِاعْتِقاداتُ، فَيَكُونُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِ الخَيْرِ والشَّرِّ وتَغْلِيبِ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ اعْتِقادًا وعَمَلًا، وهو يَعْلَمُ ما تُخْفِيهِ صُدُورُهم، أيْ نُفُوسُهم وما يُعْلِنُونَهُ مِن أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمْ. فَضَمِيرُ ”صُدُورِهِمْ“ عائِدٌ إلى ”ما“ مِن قَوْلِهِ: ”يَخْلُقُ ما يَشاءُ“ بِاعْتِبارِ مَعْناها، أيْ ما تُكِنُّ صُدُورُ المَخْلُوقاتِ وما يُعْلِنُونَ. وحَيْثُ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ ضَمائِرُ العُقَلاءِ فَقَدْ تَعَيَّنَ أنَّ المَقْصُودَ البَشَرُ مِنَ المَخْلُوقاتِ، وهُمُ المَقْصُودُ مِنَ العُمُومِ في ”ما يَشاءُ“، فَبِحَسَبِ ما يَعْلَمُ مِنهم يَخْتارُهم ويُجازِيهِمْ، فَحَصَلَ بِهَذا إيماءٌ إلى عِلَّةِ الِاخْتِيارِ، وإلى الوَعْدِ والوَعِيدِ، وهَذا مُنْتَهى الإيجازِ.

وفِي إحْضارِ الجَلالَةِ بِعُنْوانِ ”ورَبُّكَ“ إيماءٌ إلى أنَّ مِمّا تُكِنُّهُ صُدُورُهم بُغْضُ مُحَمَّدٍ ﷺ . وتَقَدَّمَ ”ما تُكِنُّ صُدُورُهم وما يُعْلِنُونَ“ آخِرَ النَّمْلِ.