Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾
أُعْقِبَ تَثْبِيتُ المُؤْمِنِينَ عَلى ما يُصِيبُهم مِن فُتُونِ المُشْرِكِينَ وما في ذَلِكَ مِنَ الوَعْدِ والوَعِيدِ بِزَجْرِ المُشْرِكِينَ عَلى ما يَعْمَلُونَهُ مِنَ السَّيِّئاتِ في جانِبِ المُؤْمِنِينَ، وأعْظَمُ تِلْكَ السَّيِّئاتِ فُتُونُهُمُ المُسْلِمِينَ. فالمُرادُ بِالَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ الفاتِنُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وهَذا ووَعِيدُهم بِأنَّ اللَّهَ لا يُفْلِتُهم. وفي هَذا أيْضًا زِيادَةُ تَثْبِيتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ بِأنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهم مِن أعْدائِهِمْ.
فَـ أمْ لِلْإضْرابِ الِانْتِقالِيِّ ويُقَدَّرُ بَعْدَها اسْتِفْهامٌ إنْكارِيُّ.
والسَّيِّئاتُ: الأعْمالُ السُّوءُ. وهي التَّنْكِيلُ والتَّعْذِيبُ وفُتُونُ المُسْلِمِينَ.
والسَّبْقُ: مُسْتَعْمَلٌ مَجازًا في النَّجاةِ والِانْفِلاتِ كَقَوْلِ مُرَّةَ بْنِ عَدّاءٍ الفَقْعَسِيِّ:
صفحة ٢٠٧
كَأنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ مَرَّةً إذا أنْتَ أدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ
وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدِّلَ أمْثالَكُمْ﴾ [الواقعة: ٦٠] وقَوْلِهِ: ﴿فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ وما كانُوا سابِقِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٩] ﴿فَكُلًّا أخَذْنا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت: ٤٠] .وقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا﴾ [الأنفال: ٥٩] في سُورَةِ الأنْفالِ. والمَعْنى: أمْ حَسِبُوا أنْ قَدْ شَفَوْا غَيْظَهم مِنَ المُؤْمِنِينَ فَهم بِذَلِكَ غَلَبُوا أوْلِياءَنا فَغَلَبُونا !
وجُمْلَةُ ﴿ساءَ ما يَحْكُمُونَ﴾ ذَمٌّ لِحُسْبانِهِمْ ذَلِكَ وإبْطالٌ لَهُ. فَهي مُقَرِّرَةٌ لِمَعْنى الإنْكارِ في جُمْلَةِ ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ﴾ فَلَها حُكْمُ التَّوْكِيدِ، فَلِذَلِكَ فُصِّلَتْ.
وهَذِهِ الجُمْلَةُ تَقْتَضِي أنْ يَكُونَ هَذا الحُسْبانُ واقِعًا مِنهم، ومَعْنى وُقُوعِهِ أنَّهُمُ اعْتَقَدُوا ما يُساوِي هَذا الحُسْبانَ؛ لِأنَّهم حِينَ لَمْ يَسْتَطِعِ المُؤْمِنُونَ رَدَّ فِتَنِهِمْ قَدِ اغْتَرُّوا بِأنَّهم غَلَبُوا المُؤْمِنِينَ، وإذْ قَدْ كانَ المُؤْمِنُونَ يَدْعُونَ إلى اللَّهِ دُونَ الأصْنامِ فَمَن غَلَبَهم فَقَدْ حَسِبَ أنَّهُ غَلَبَ مَن يَدْعُونَ إلَيْهِ، وهم لا يَشْعُرُونَ بِهَذا الحُسْبانِ، فافْهَمْهُ.
والحُكْمُ مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنى الظَّنِّ والِاعْتِقادِ تَهَكُّمًا بِهِمْ بِأنَّهم نَصَّبُوا أنْفُسَهم مَنصِبَ الَّذِي يَحْكُمُ فَيُطاعُ وما يَحْكُمُونَ مَوْصُولٌ وصِلَتُهُ، أيْ ساءَ الحُكْمُ الَّذِي يَحْكُمُونَهُ.
وهَذِهِ الآيَةُ وإنْ كانَتْ وارِدَةً في شَأْنِ المُشْرِكِينَ المُؤْذِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَهي تُشِيرُ إلى تَحْذِيرِ المُسْلِمِينَ مِن مُشابِهَتِهِمْ في اقْتِرافِ السَّيِّئاتِ اسْتِخْفافًا بِوَعِيدِ اللَّهِ عَلَيْها؛ لِأنَّهم في ذَلِكَ يَأْخُذُونَ بِشَيْءٍ مِن مُشابَهَةِ حُسْبانِ الِانْفِلاتِ، وإنْ كانَ المُؤْمِنُ لا يَظُنُّ ذَلِكَ ولَكِنَّهُ يُنَزَّلُ مَنزِلَةَ مَن يَظُنُّهُ لِإعْراضِهِ عَنِ الوَعِيدِ حِينَ يَقْتَرِفُ السَّيِّئَةَ.