﴿ولَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ ولَيُسْألُنَّ يَوْمَ القِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾

بَعْدَ أنْ كَذَّبَهم في قَوْلِهِمْ ﴿ولْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ﴾ [العنكبوت: ١٢]، وكَشَفَ كَيْدَهم بِالمُسْلِمِينَ - عَطَفَ عَلَيْهِ ما أفادَ أنَّهم غَيْرُ ناجِينَ مِن حَمْلِ تَبِعاتٍ لِأقْوامٍ آخَرِينَ، وهُمُ الأقْوامُ الَّذِينَ أضَلُّوهم وسَوَّلُوا لَهُمُ الشِّرْكَ والبُهْتانَ عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ بِحَمْلِهِمْ ذَلِكَ. فَذِكْرُ الحَمْلِ تَمْثِيلٌ، والأثْقالُ مَجازٌ عَنِ الذُّنُوبِ والتَّبِعاتِ. وهو تَمْثِيلٌ لِلشَّقاءِ والعَناءِ يَوْمَ القِيامَةِ بِحالِ الَّذِي يَحْمِلُ مَتاعَهُ وهو مُوقَرٌ بِهِ فَيُزادُ حَمْلُ أمْتِعَةِ أُناسٍ آخَرِينَ.

وقَدْ عُلِمَ مِن مَقامِ المُقابَلَةِ أنَّ هَذا حَمْلُ تَثْقِيلٍ وزِيادَةٍ في العَذابِ، ولَيْسَ حَمْلًا يَدْفَعُ التَّبِعَةَ عَنِ المَحْمُولِ عَنْهُ، وأنَّ الأثْقالَ المَحْمُولَةَ مَعَ أثْقالِهِمْ هي ذُنُوبُ الَّذِينَ أضَلُّوهم، ولَيْسَ مَن بَيْنِها شَيْءٌ مِن ذُنُوبِ المُسْلِمِينَ؛ لِأنَّ المُسْلِمِينَ سالِمُونَ مِن تَضْلِيلِ المُشْرِكِينَ بِما كَشَفَ اللَّهُ لَهم مِن بُهْتانِهِمْ.

وجُمْلَةُ ﴿ولَيُسْألُنَّ يَوْمَ القِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ تَذْيِيلٌ جامِعٌ لِمُؤاخَذَتِهِمْ بِجَمِيعِ ما اخْتَلَقُوهُ مِنَ الإفْكِ والتَّضْلِيلِ سَواءٌ ما أضَلُّوا بِهِ أتْباعَهم وما حاوَلُوا بِهِ بِتَضْلِيلِ المُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَقَعُوا في أشْراكِهِمْ، وقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَفْظُ الِافْتِراءِ، كَما عَبَّرَ عَنْ مُحاوَلَتِهِمْ تَغْرِيرَ المُسْلِمِينَ بِأنَّهم فِيهِ كاذِبُونَ.