Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وقالَ إنَّما اتَّخَذْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا مَوَدَّةً بَيْنَكم في الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا ومَأْواكُمُ النّارُ وما لَكم مِن ناصِرِينَ﴾
يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَقالَتُهُ هَذِهِ سابِقَةً عَلى إلْقائِهِ في النّارِ، وأنْ تَكُونَ بَعْدَ أنْ أنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ. والأظْهَرُ مِن تَرْتِيبِ الكَلامِ أنَّها كانَتْ بَعْدَ أنْ أنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النّارِ، أرادَ بِهِ إعْلانَ مُكابَرَتِهِمُ الحَقَّ وإصْرارِهِمْ عَلى عِبادَةِ الأوْثانِ بَعْدَ وُضُوحِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمُعْجِزَةِ سَلامَتِهِ مِن حَرْقِ النّارِ، وتَقَدَّمَ ذِكْرُ الأوْثانِ قَرِيبًا.
ومَحَطُّ القَصْرِ بِـ إنَّما هو المَفْعُولُ لِأجْلِهِ، أمّا قَصْرُ المَعْبُوداتِ مِن دُونِ اللَّهِ عَلى كَوْنِها أوْثانًا فَقَدْ سَبَقَ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أوْثانًا﴾ [العنكبوت: ١٧] أيْ ما اتَّخَذْتُمْ أوْثانًا إلّا لِأجْلِ مَوَدَّةِ بَعْضِكم بَعْضًا. ووَجْهُ الحَصْرِ أنَّهُ لَمْ تَبْقَ لَهم شُبْهَةٌ في عِبادَةِ الأوْثانِ بَعْدَ مُشاهَدَةِ دَلالَةِ صِدْقِ الرَّسُولِ الَّذِي جاءَ بِإبْطالِها، فَتَمَحَّضَ أنْ يَكُونَ سَبَبُ بَقائِهِمْ عَلى عِبادَةِ الأوْثانِ هو مَوَدَّةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا الدّاعِيَةَ لِإبايَةِ المُخالَفَةِ. والمَوَدَّةُ: المَحَبَّةُ والإلْفُ، ويَتَعَيَّنُ أنْ يَكُونَ ضَمِيرُ ”بَيْنَكم“ شامِلًا لِلْأوْثانِ.
والمَوَدَّةُ: المَحَبَّةُ، فَهَؤُلاءِ القَوْمُ يُحِبُّ بَعْضُهم بَعْضًا، فَلا يُخالِفُهُ وإنْ لاحَ لَهُ أنَّهُ عَلى ضَلالٍ، ويُحِبُّونَ الأوْثانَ فَلا يَتْرُكُونَ عِبادَتَها وإنْ ظَهَرَتْ لِبَعْضِهِمْ دَلالَةُ بُطْلانِ إلَهِيَّتِها، قالَ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٦٥] .
صفحة ٢٣٦
قالَ الفَخْرُ: أيْ مَوَدَّةً بَيْنَ الأوْثانِ وعَبَدَتِها، فَإنَّ مَن غَلَبَتْ عَلَيْهِ اللَّذّاتُ الجِسْمِيَّةُ لا يَلْتَفِتُ إلى اللَّذّاتِ العَقْلِيَّةِ، كالمَجْنُونِ إذا احْتاجَ إلى قَضاءِ حاجَةٍ مِن أكْلٍ أوْ شُرْبٍ أوْ إراقَةِ ماءٍ وهو بَيْنَ مَجْمَعٍ مِنَ الأكابِرِ لا يَلْتَفِتُ إلى اللَّذَّةِ العَقْلِيَّةِ مِنَ الحَياءِ وحُسْنِ السِّيرَةِ، بَلْ يُحَصِّلُ ما فِيهِ لَذَّةُ جِسْمِهِ. فَهم كانُوا قَلِيلِي العُقُولِ، فَغَلَبَتْ عَلَيْهِمُ اللَّذّاتُ الجِسْمِيَّةُ فَلَمْ يَتَّسِعْ عَقْلُهم لِمَعْبُودٍ غَيْرِ جُسْمانِيٍّ، ورَأوْا تِلْكَ الأصْنامَ مُزَيَّنَةً بِألْوانٍ وجَواهِرَ فَأحَبُّوها.وفِعْلُ اتَّخَذْتُمْ مُرادٌ بِهِ الِاسْتِمْرارُ والبَقاءُ عَلى اتِّخاذِها بَعْدَ وُضُوحِ حُجَّةِ بُطْلانِ اسْتِحْقاقِها العِبادَةَ.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وأبُو بَكْرٍ عَنْ عاصِمٍ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ ”مَوَدَّةً“ مَنصُوبًا مُنَوَّنًا بِدُونِ إضافَةٍ، و”بَيْنَكم“ مَنصُوبًا عَلى الظَّرْفِيَّةِ. وقَرَأ حَمْزَةُ وحَفْصٌ عَنْ عاصِمٍ، ورَوْحٌ عَنْ يَعْقُوبَ ”مَوَدَّةَ“ مَنصُوبًا غَيْرَ مُنَوَّنٍ، بَلْ مُضافًا إلى ”بَيْنِكم“، و”بَيْنِكم“ مَجْرُورٌ، أوْ هو مِن إضافَةِ المَظْرُوفِ إلى الظَّرْفِ. وقَرَأهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، والكِسائِيُّ ورُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ مَرْفُوعًا مُضافًا عَلى أنْ تَكُونَ ”ما“ في ”إنَّما“ مَوْصُولَةً، وحَقُّها أنْ تُكْتَبُ مَفْصُولَةً، و”مَوَدَّةٌ“ خَبَرُ ”إنَّ“، تَكُونُ كِتابَةُ ”إنَّما“ مُتَّصِلَةً مِن قَبِيلِ الرَّسْمِ غَيْرِ القِياسِيِّ، فَيَكُونُ الإخْبارُ عَنْها بِأنَّها مَوَدَّةٌ إخْبارًا مَجازِيًّا عَقْلِيًّا بِاعْتِبارِ أنَّ الِاتِّخاذَ سَبَبٌ عَنِ المَوَدَّةِ. ولِما في المَجازِ مِنَ المُبالَغَةِ كانَ فِيهِ تَأْكِيدٌ لِلْخَبَرِ بَعْدَ تَأْكِيدِهِ بِـ ”إنَّ“، فَيَقُومُ التَّأْكِيدانِ مَقامَ الحَصْرِ؛ إذْ لَيْسَ الحَصْرُ إلّا تَأْكِيدًا عَلى تَأْكِيدٍ كَما قالَ السَّكّاكِيُّ، أيْ لِأنَّهُ بِمَنزِلَةِ إعادَةِ الخَبَرِ حَيْثُ يُثْبِتُ ثُمَّ يُؤَكِّدُ بِنَفْيِ ما عَداهُ.
والخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ في غَيْرِ إفادَةِ الحُكْمِ بَلْ في التَّنْبِيهِ عَلى الخَطَأِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَقِبَهُ: ﴿ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ . ونَظِيرُهُ جُمْلَةُ صِلَةِ المَوْصُولِ في قَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:
إنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهم إخْوانَكم يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أنْ تُصْرَعُوا
صفحة ٢٣٧
ولَمّا كانَ في قَوْلِهِ: ”مَوَدَّةً بَيْنَكم“ شائِبَةُ ثُبُوتِ مَنفَعَةٍ لَهم في عِبادَةِ الأوْثانِ؛ إذْ يَكْتَسِبُونَ بِذَلِكَ مَوَدَّةً بَيْنَهم تَلَذُّ لِنُفُوسِهِمْ - قَرَنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فِي الحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ القِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ﴾ إلَخْ؛ تَنْبِيهًا لِسُوءِ عاقِبَةِ هَذِهِ المَوَدَّةِ وإزالَةٍ لِلْغُرُورِ والغَفْلَةِ، لِيَعْلَمُوا أنَّ اللَّذّاتِ العاجِلَةَ لا عِبْرَةَ بِها إنْ كانَتْ تُعْقِبُ نَدامَةً آجِلَةً.ومَعْنى ﴿يَكْفُرُ بَعْضُكم بِبَعْضٍ﴾ أنَّ المُخاطَبِينَ يَكْفُرُونَ بِالأصْنامِ الَّتِي كانُوا يَعْبُدُونَها؛ إذْ يَجْحَدُونَ يَوْمَ القِيامَةِ أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَها.
ومَعْنى ﴿ويَلْعَنُ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ أنَّ المُخاطَبِينَ يَلْعَنُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُمُ الآخَرِينَ، إمّا لِأنَّ المَلْعُونِينَ غَرُّوا اللّاعِنِينَ فَسَوَّلُوا لَهُمُ اتِّخاذَ الأصْنامِ، وإمّا لِأنَّهم وافَقُوهم عَلى ذَلِكَ.
وهَذِهِ مَخازٍ تَلْحَقُ بَعْضَهم مِن بَعْضٍ، ثُمَّ ذَكَرَ ما يَعُمُّهم مِن عَذابِ الخِزْيِ بِقَوْلِهِ: ﴿ومَأْواكُمُ النّارُ﴾ .
ثُمَّ ذَكَرَ ما يَعُمُّهم جَمِيعًا مِنِ انْعِدامِ النَّصِيرِ فَقالَ: ﴿وما لَكم مِن ناصِرِينَ﴾ فَنَفى عَنْهم جِنْسَ النّاصِرِ. وهو مَن يُزِيلُ عَنْهم ذَلِكَ الخِزْيَ. وجِيءَ في نَفْيِ النّاصِرِ بِصِيغَةِ الجَمْعِ هُنا خِلافًا لِقَوْلِهِ آنِفًا: ﴿وما لَكم مِن دُونِ اللَّهِ مِن ولِيٍّ ولا نَصِيرٍ﴾ [العنكبوت: ٢٢]؛ لِأنَّهم لَمّا تَألَّبُوا عَلى إبْراهِيمَ وتَجَمَّعُوا لِنُصْرَةِ أصْنامِهِمْ كانَ جَزاؤُهم حِرْمانَهم مِنَ النُّصَراءِ مُطابَقَةً بَيْنَ الجَزاءِ والحالَةِ الَّتِي جُوزُوا عَلَيْها. عَلى أنَّ المُفْرَدَ والجَمْعَ في حَيِّزِ النَّفْيِ سَواءٌ في إفادَةِ نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الجِنْسِ.