﴿ذَلِكَ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

جِيءَ بِالإشارَةِ إلى اسْمِ الجَلالَةِ بَعْدَما أُجْرِيَ عَلَيْهِ مِن أوْصافِ التَّصَرُّفِ بِخَلْقِ الكائِناتِ وتَدْبِيرِ أُمُورِها لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّ المُشارَ إلَيْهِ بِاسْمِ الإشارَةِ حَقِيقٌ بِما يَرِدُ بَعْدَ اسْمِ الإشارَةِ مِن أجْلِ تِلْكَ الصِّفاتِ المُتَقَدِّمَةِ كَما تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [لقمان: ٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ، لا جَرَمَ أنَّ المُتَصَرِّفَ بِذَلِكَ الخَلْقِ والتَّدْبِيرِ عالِمٌ بِجَمِيعِ مَخْلُوقاتِهِ ومُحِيطٌ بِجَمِيعِ شُئُونِها فَهو عالِمُ الغَيْبِ، أيْ ما غابَ عَنْ حَواسِّ الخَلْقِ، وعالِمُ الشَّهادَةِ، وهو ما يَدْخُلُ تَحْتَ إدْراكِ الحَواسِّ، فالمُرادُ بِالغَيْبِ والشَّهادَةِ: كُلُّ غائِبٍ وكُلُّ مَشْهُودٍ.

والمَقْصُودُ هو عِلْمُ الغَيْبِ لِأنَّهم لَمّا أنْكَرُوا البَعْثَ وإحْياءَ المَوْتى كانَتْ شُبْهَتُهم في إحالَتِهِ أنَّ أجْزاءَ الأجْسامِ تَفَرَّقَتْ وتَخَلَّلَتِ الأرْضَ، ولِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ (﴿وقالُوا أاْذا ضَلَلْنا في الأرْضِ إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠]) . وأمّا عَطْفُ ”والشَّهادَةِ“ فَهو تَكْمِيلٌ واحْتِراسٌ.

صفحة ٢١٥

ومُناسَبَةُ وصْفِهِ تَعالى بِـ ”العَزِيزُ الرَّحِيمُ“ عَقِبَ ما تَقَدَّمَ، أنَّهُ خَلَقَ الخَلْقَ بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ بِدُونِ مُعِينٍ، فالعِزَّةُ وهي الِاسْتِغْناءُ عَنِ الغَيْرِ ظاهِرَةٌ، وأنَّهُ خَلَقَهم عَلى أحْوالٍ فِيها لُطْفٌ بِهِمْ فَهو رَحِيمٌ بِهِمْ فِيما خَلَقَهم إذْ جَعَلَ أُمُورَ حَياتِهِمْ مُلائِمَةً لَهم فِيها نَعِيمٌ لَهم وجَنَّبَهُمُ الآلامَ فِيها. فَهَذا سَبَبُ الجَمْعِ بَيْنَ صِفَتَيِ (العَزِيزِ) و(الرَّحِيمِ) هُنا عَلى خِلافِ الغالِبِ مِن ذِكْرِ (الحَكِيمِ) مَعَ (العَزِيزِ) .

و(العَزِيزُ الرَّحِيمُ) يَجُوزُ كَوْنُهُما خَبَرَيْنِ آخَرَيْنِ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ أوْ وصْفَيْنِ لِـ ”عالِمُ الغَيْبِ“ .