Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وقالُوا أاْذا ضَلَلْنا في الأرْضِ إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هم بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ﴾ .
الواوُ لِلْحالِ، والحالُ لِلتَّعْجِيبِ مِنهم كَيْفَ أحالُوا إعادَةَ الخَلْقِ وهم يَعْلَمُونَ النَّشْأةَ الأُولى، ولَيْسَتِ الإعادَةُ بِأعْجَبَ مِن بَدْءِ الخَلْقِ وخاصَّةً بَدْءَ خَلْقِ آدَمَ عَنْ عَدَمٍ، وخُلُوُّ الجُمْلَةِ الماضَوِيَّةِ عَنْ حَرْفِ (قَدْ) لا يَقْدَحُ في كَوْنِها حالًا عَلى التَّحْقِيقِ.
والِاسْتِفْهامُ في ”أاْذا ضَلَلْنا“ لِلتَّعَجُّبِ والإحالَةِ، أيْ أظْهَرُوا في كَلامِهِمُ اسْتِبْعادَ البَعْثِ بَعْدَ فَناءِ الأجْسادِ واخْتِلاطِها بِالتُّرابِ، مُغالَطَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وتَرْوِيجًا لِكُفْرِهِمْ. والضَّلالُ: الغِيابُ، ومِنهُ: ضَلالُ الطَّرِيقِ، والضّالَّةُ: الدّابَّةُ الَّتِي ابْتَعَدَتْ عَنْ أهْلِها فَلَمْ يُعْرَفْ مَكانُها. وأرادُوا بِذَلِكَ إذا تَفَرَّقَتْ أجْزاءُ أجْسادِنا في خِلالِ الأرْضِ واخْتَلَطَتْ بِتُرابِ الأرْضِ. وقِيلَ: الضَّلالُ في الأرْضِ: الدُّخُولُ فِيها بِناءً عَلى أنَّهُ يُقالُ: أضَلَّ النّاسُ المَيِّتَ، أيْ دَفَنُوهُ. وأنْشَدُوا قَوْلَ النّابِغَةِ في رِثاءِ النُّعْمانِ بْنِ الحارِثِ الغَسّانِيِّ:
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ وغُودِرَ بِالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ
وقَرَأهُ نافِعٌ والكِسائِيُّ ويَعْقُوبُ: (﴿أئِنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾) بِهَمْزَةٍ واحِدَةٍ عَلىصفحة ٢١٩
الإخْبارِ اكْتِفاءً بِدُخُولِ الِاسْتِفْهامِ عَلى أوَّلِ الجُمْلَةِ ومُتَعَلِّقِها. وقَرَأ الباقُونَ (﴿أإنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾) بِهَمْزَتَيْنِ أُولاهُما لِلِاسْتِفْهامِ والثّانِيَةُ تَأْكِيدًا لِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهامِ الدّاخِلَةِ عَلى ﴿أاْذا ضَلَلْنا في الأرْضِ﴾ .وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ بِتَرْكِ الِاسْتِفْهامِ في المَوْضِعَيْنِ عَلى أنَّ الكَلامَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ في التَّهَكُّمِ.
وتَأْكِيدُ جُمْلَةِ (﴿إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾) بِحَرْفِ ”إنَّ“ لِأنَّهم حَكَوُا القَوْلَ الَّذِي تَعَجَّبُوا مِنهُ وهو ما في القُرْآنِ مِن تَأْكِيدِ تَجْدِيدِ الخَلْقِ فَحَكَوْهُ بِالمَعْنى كَما في الآيَةِ الأُخْرى ﴿وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكم عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكم إذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّكم لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [سبإ: ٧]، أيْ يُحَقِّقُ لَكم ذَلِكَ.
و”إذا“ ظَرْفٌ وهو مَعْمُولٌ لِما في جُمْلَةِ (﴿إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾) مِن مَعْنى الكَوْنِ. والخَلْقُ: مَصْدَرٌ.
و”في“ لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ ومَعْناها المُصاحَبَةُ.
والجَدِيدُ: المُحْدَثُ، أيْ غَيْرِ خَلْقِنا الَّذِي كُنّا فِيهِ.
و”بَلْ“ مِن ﴿بَلْ هم بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ﴾ إضْرابٌ عَنْ كَلامِهِمْ، أيْ لَيْسَ إنْكارُهُمُ البَعْثَ لِلِاسْتِبْعادِ والِاسْتِحالَةِ لِأنَّ دَلائِلَ إمْكانِهِ واضِحَةٌ لِكُلِّ مُتَأمِّلٍ ولَكِنَّ الباعِثَ عَلى إنْكارِهِمْ إيّاهُ هو كُفْرُهم بِلِقاءِ اللَّهِ، أيْ كُفْرُهُمُ الَّذِي تَلَقَّوْهُ عَنْ أئِمَّتِهِمْ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فالمَعْنى: بَلْ هم قَدْ أيْقَنُوا بِانْتِفاءِ البَعْثِ فَهم مُتَعَنِّتُونَ في الكُفْرِ مُصِرُّونَ عَلَيْهِ لا تَنْفَعُهُمُ الآياتُ والأدِلَّةُ، فالكُفْرُ المُثْبَتُ هُنا كُفْرٌ خاصٌّ وهو غَيْرُ الكُفْرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهم (﴿أإذا ضَلَلْنا في الأرْضِ إنّا لَفي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾) فَإنَّهُ كُفْرٌ بِلِقاءِ اللَّهِ لَكِنَّهم أظْهَرُوهُ في صُورَةِ الِاسْتِبْعادِ تَشْكِيكًا لِلْمُؤْمِنِينَ وتَرْوِيجًا لِكُفْرِهِمْ.
وتَقْدِيمُ المَجْرُورِ عَلى ”كافِرُونَ“ لِلرِّعايَةِ عَلى الفاصِلَةِ. والإتْيانُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِإفادَةِ الدَّوامِ عَلى كُفْرِهِمْ والثَّباتِ عَلَيْهِ.