Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿يا نِساءَ النَّبِيءِ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ .
أُعِيدَ خِطابُهُنَّ مِن جانِبِ رَبِّهِنَّ وأُعِيدَ نِداؤُهُنَّ لِلِاهْتِمامِ بِهَذا الخَبَرِ اهْتِمامًا يَخُصُّهُ.
وأحَدٌ: اسْمٌ بِمَعْنى واحِدٍ مِثْلَ ﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] وهَمْزَتُهُ بَدَلٌ مِنَ الواوِ. وأصْلُهُ: وحَدَ بِوَزْنِ فَعَلَ، أيْ مُتَوَحِّدٌ، كَما قالُوا: فَرَدَ بِمَعْنى مُنْفَرِدٌ. قالَ النّابِغَةُ يَذْكُرُ رُكُوبَهُ راحِلَتَهُ:
كَأنَّ رَحْلِي وقَدْ زالَ النَّهارُ بِنا يَوْمَ الجَلِيلِ عَلى مُسْتَأْنِسٍ وحِدِ
يُرِيدُ عَلى ثَوْرٍ وحْشِيٍّ مُنْفَرِدٍ. فَلَمّا ثَقُلَ الِابْتِداءُ بِالواوِ شاعَ أنْ يَقُولُوا: أحَدٌصفحة ٧
وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ في سِياقِ النَّفْيِ، قالَ تَعالى ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] فَإذا وقَعَ في سِياقِ النَّفْيِ دَلَّ عَلى نَفْيِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ الجِنْسِ.ونَفْيُ المُشابَهَةِ هُنا يُرادُ بِهِ نَفْيُ المُساواةِ مُكَنًّى بِهِ عَنِ الأفْضَلِيَّةِ عَلى غَيْرِهِنَّ مِثْلُ نَفْيِ المُساواةِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النساء: ٩٥]، فَلَوْلا قَصْدُ التَّفْضِيلِ ما كانَ لِزِيادَةِ ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: ٩٥] وجْدٌ ولا لِسَبَبِ نُزُولِها داعٍ كَما تَقَدَّمَ في سُورَةِ النِّساءِ. فالمَعْنى: أنْتُنَّ أفْضَلُ النِّساءِ، وظاهِرُهُ تَفْضِيلٌ لِجُمْلَتِهِنَّ عَلى نِساءِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وسَبَبُ ذَلِكَ أنَّهُنَّ اتَّصَلْنَ بِالنَّبِيءِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - اتِّصالًا قَرِيبًا مِن كُلِّ اتِّصالٍ وصِرْنَ أنِيساتِهِ مُلازِماتِ شُئُونِهِ، فَيَخْتَصِصْنَ بِاطِّلاعِ ما لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِن أحْوالِهِ وخُلُقِهِ في المَنشَطِ والمَكْرَهِ، ويَتَخَلَّقْنَ بِخُلُقِهِ أكْثَرَ مِمّا يَقْتَبِسُ مِنهُ غَيْرُهُنَّ، ولَأنَّ إقْبالَهُ عَلَيْهِنَّ إقْبالٌ خاصٌّ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ ﷺ «حُبِّبَ إلَيَّ مِن دُنْياكُمُ النِّساءُ والطِّيبُ» وقالَ تَعالى الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ. ثُمَّ إنَّ نِساءَ النَّبِيءِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - يَتَفاضَلْنَ بَيْنَهُنَّ.
والتَّقَيُّدُ بِقَوْلِهِ ﴿إنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ لَيْسَ لِقَصْدِ الِاحْتِرازِ عَنْ ضِدِّ ذَلِكَ، وإنَّما هو إلْهابٌ وتَحْرِيضٌ إلى الِازْدِيادِ مِنَ التَّقْوى، وقَرِيبٌ مِن هَذا المَعْنى قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ لِحَفْصَةَ «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ (يَعْنِي أخاها) رَجُلٌ صالِحٌ لَوْ كانَ يَقُومُ اللَّيْلَ» أبْلَغَتْ حَفْصَةُ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَلَمْ يَتْرُكْ قِيامَ اللَّيْلِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأنَّهُ عَلِمَ أنَّ المَقْصُودَ التَّحْرِيضُ عَلى القِيامِ.
وفِعْلُ الشَّرْطِ مُسْتَعْمَلٌ في الدِّلالَةِ عَلى الدَّوامِ، أيْ إنْ دُمْتُنَّ عَلى التَّقْوى فَإنَّ نِساءَ النَّبِيءِ ﷺ مُتَّقِياتٌ مِن قَبْلُ، وجَوابُ الشَّرْطِ دَلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ.
واعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ هَذِهِ الآيَةِ تَفْضِيلُ أزْواجِ النَّبِيءِ ﷺ عَلى جَمِيعِ نِساءِ هَذِهِ الأُمَّةِ. وقَدِ اخْتُلِفَ في التَّفاضُلِ بَيْنَ الزَّوْجاتِ وبَيْنَ بَناتِ النَّبِيءِ ﷺ . وعَنِ الأشْعَرِيِّ الوَقْفُ في ذَلِكَ، ولَعَلَّ ذَلِكَ لِتَعارُضِ الأدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ ولِاخْتِلافِ جِهاتِ أُصُولِ التَّفْضِيلِ الدِّينِيَّةِ والرُّوحِيَّةِ بِحَيْثُ يَعْسُرُ ضَبْطُها بِضَوابِطَ.
صفحة ٨
أشارَ إلى جُمْلَةٍ مِنها أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ في شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ في حَدِيثِ رُؤْيا رَجُلٍ مِن أصْحابِ النَّبِيءِ ﷺ: أنَّهُ رَأى مِيزانًا نُزِّلَ مِنَ السَّماءِ، فَوُزِنَ النَّبِيءُ ﷺ وأبُو بَكْرٍ، فَرَجَحَ النَّبِيءُ ﷺ ووُزِنَ أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ فَرَجَحَ أبُو بَكْرٍ، ووُزِنَ عُمَرُ وعُثْمانُ فَرَجَحَ عُمَرُ، ثُمَّ رُفِعَ المِيزانُ. والجِهاتُ الَّتِي بَنى عَلَيْها أبُو بَكْرِ بْنُ العَرَبِيِّ أكْثَرُها مِن شُئُونِ الرِّجالِ. ولَيْسَ يَلْزَمُ أنْ تَكُونَ بَناتُ النَّبِيءِ ﷺ ولا نِساؤُهُ سَواءٌ في الفَضْلِ. ومِنَ العُلَماءِ مَن جَزَمُوا بِتَفْضِيلِ بَناتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى أزْواجِهِ وبِخاصَّةٍ فاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - وهو ظاهِرُ كَلامِ التَّفْتَزانِيِّ في كِتابِ المَقاصِدِ. وهي مَسْألَةٌ لا يَتَرَتَّبُ عَلى تَدْقِيقِها عَمَلٌ فَلا يَنْبَغِي تَطْوِيلُ البَحْثِ فِيها.والأحْسَنُ أنْ يَكُونَ الوَقْفُ عَلى ﴿إنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾، وقَوْلُهُ ﴿فَلا تَخْضَعْنَ﴾ ابْتِداءُ تَفْرِيعٍ ولَيْسَ هو جَوابُ الشَّرْطِ.
* * *
﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾فُرِّعَ عَلى تَفْضِيلِهِنَّ وتَرْفِيعِ قَدْرِهِنَّ إرْشادُهُنَّ إلى دَقائِقَ مِنَ الأخْلاقِ قَدْ تَقَعُ الغَفْلَةُ عَنْ مُراعاتِها لِخَفاءِ الشُّعُورِ بِآثارِها، ولِأنَّها ذَرائِعُ خَفِيَّةٌ نادِرَةٌ تُفْضِي إلى ما لا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِنَّ في نُفُوسِ بَعْضٍ مِمَّنِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ، وفِيها مُنافِقُوها.
وابْتُدِئَ مِن ذَلِكَ بِالتَّحْذِيرِ مِن هَيْئَةِ الكَلامِ فَإنَّ النّاسَ مُتَفاوِتُونَ في لِينِهِ، والنِّساءُ في كَلامِهِنَّ رِقَّةٌ طَبِيعِيَّةٌ وقَدْ يَكُونُ لِبَعْضِهِنَّ مِنَ اللَّطافَةِ ولِينِ النَّفْسِ ما إذا انْضَمَّ إلى لِينِها الجِبِلِّيِّ قُرَّبَتْ هَيْئَتُهُ مِن هَيْئَةِ التَّدَلُّلِ لِقِلَّةِ اعْتِيادِ مِثْلِهِ إلّا في تِلْكَ الحالَةِ. فَإذا بَدا ذَلِكَ عَلى بَعْضِ النِّساءِ ظَنَّ بَعْضُ مَن يُشافِهُها مِنَ الرِّجالِ أنَّها تَتَحَبَّبُ إلَيْهِ، فَرُبَّما اجْتَرَأتْ نَفْسُهُ عَلى الطَّمَعِ في المُغازَلَةِ فَبَدَرَتْ مِنهُ بادِرَةٌ تَكُونُ مُنافِيَةً لِحُرْمَةِ المَرْأةِ، بَلْهَ أزْواجُ النَّبِيءِ ﷺ اللّاتِي هُنَّ أُمَّهاتُ المُؤْمِنِينَ.
والخُضُوعُ: حَقِيقَتُةُ التَّذَلُّلُ، وأُطْلِقَ هُنا عَلى الرِّقَّةِ لِمُشابَهَتِها التَّذَلُّلِ.
والباءُ في قَوْلِهِ بِالقَوْلِ يَجُوزُ أنْ تَكُونَ لِلتَّعْدِيَةِ بِمَنزِلَةِ هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ، أيْ لا
صفحة ٩
تُخْضِعْنَ القَوْلَ، أيْ تَجْعَلْنَهُ خاضِعًا ذَلِيلًا، أيْ رَقِيقًا مُتَفَكِّكًا. ومَوْقِعُ الباءِ هُنا أحْسَنُ مِن مَوْقِعِ هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ؛ لِأنَّ باءَ التَّعْدِيَةِ جاءَتْ مِن باءِ المُصاحَبَةِ عَلى ما بَيَّنَهُ المُحَقِّقُونَ مِنَ النُّحاةِ أنَّ أصْلَ قَوْلِكَ: ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ، أنَّكَ ذَهَبْتَ مُصاحِبًا لَهُ فَأنْتَ أذْهَبْتَهُ مَعَكَ، ثُمَّ تُنُوسِيَ مَعْنى المُصاحَبَةِ في نَحْوِ: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ [البقرة: ١٧]، فَلَمّا كانَ التَّفَكُّكُ والتَّزْيِينُ لِلْقَوْلِ يُتْبِعُ تَفَكُّكَ القائِلِ أسْنَدَ الخُضُوعَ إلَيْهِنَّ في صُورَةٍ، وأُفِيدَتِ التَّعْدِيَةُ بِالباءِ. ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الباءُ بِمَعْنى في، أيْ لا يَكُنْ مِنكُنَّ لِينٌ في القَوْلِ.والنَّهْيُ عَنِ الخُضُوعِ بِالقَوْلِ إشارَةٌ إلى التَّحْذِيرِ مِمّا هو زائِدٌ عَلى المُعْتادِ في كَلامِ النِّساءِ مِنَ الرِّقَّةِ وذَلِكَ تَرْخِيمُ الصَّوْتِ، أيْ لِيَكُنْ كَلامُكُنَّ جَزْلًا.
والمَرَضُ: حَقِيقَتُهُ اخْتِلالُ نِظامِ المَزاجِ البَدَنِيِّ مَن ضَعْفِ القُوَّةِ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِاخْتِلالِ الوازِعِ الدِّينِيِّ مِثْلَ المُنافِقِينَ ومَن كانَ في أوَّلِ الإيمانِ مِنَ الأعْرابِ مِمَّنْ لَمْ تَرْسَخْ فِيهِ أخْلاقُ الإسْلامِ، وكَذَلِكَ مَن تَخَلَّقُوا بِسُوءِ الظَّنِّ فَيَرْمُونَ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤْمِناتِ، وقَضِيَّةُ إفْكِ المُنافِقِينَ عَلى عائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْها - شاهِدٌ لِذَلِكَ. وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [البقرة: ١٠] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وانْتَصَبَ يَطْمَعَ في جَوابِ النَّهْيِ بَعْدَ الفاءِ لِأنَّ المَنهِيَّ عَنْهُ سَبَبٌ في هَذا الطَّمَعِ.
وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ يَطْمَعَ تَنَزُّهًا وتَعْظِيمًا لِشَأْنِ نِساءِ النَّبِيِّ ﷺ مَعَ قِيامِ القَرِينَةِ.
وعَطْفُ ﴿وقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ عَلى ﴿لا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ﴾ بِمَنزِلَةِ الِاحْتِراسِ لِئَلّا يَحْسَبْنَ أنَّ اللَّهَ كَلَّفَهُنَّ بِخَفْضِ أصْواتِهِنَّ كَحَدِيثِ السِّرارِ.
والقَوْلُ: الكَلامُ.
والمَعْرُوفُ: هو الَّذِي يَأْلَفُهُ النّاسُ بِحَسَبِ العُرْفِ العامِّ، ويَشْمَلُ القَوْلُ المَعْرُوفُ هَيْئَةَ الكَلامِ وهي الَّتِي سِيقَ لَها المَقامُ، ويَشْمَلُ مَدْلُولاتُهُ أنْ لا يَنْتَهِرْنَ مَن يُكَلِّمُهُنَّ أوْ يُسْمِعْنَهُ قَوْلًا بَذِيئًا مِن بابِ: فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ. وبِذَلِكَ تَكُونُ هَذِهِ الجُمْلَةُ بِمَنزِلَةِ التَّذْيِيلِ.