﴿سُنَّةَ اللَّهِ في الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ انْتَصَبَ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ﴾ عَلى أنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ نائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ. والتَّقْدِيرُ: سَنَّ اللَّهُ إغْراءَكَ بِهِمْ سُنَّتَهُ في أعْداءِ الأنْبِياءِ السّالِفِينَ وفي الكُفّارِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا وأُخِذُوا في غَزْوَةِ بَدْرٍ وغَيْرِها.

وحَرْفُ (في) لِلظَّرْفِيَّةِ المَجازِيَّةِ، شُبِّهَتِ السُّنَّةُ الَّتِي عُومِلُوا بِها بِشَيْءٍ في وسَطِهِمْ كِنايَةً عَنْ تَغَلْغُلِهِ فِيهِمْ وتَناوُلِهِ جَمِيعَهم ولَوْ جاءَ الكَلامُ عَلى غَيْرِ المَجازِ لَقِيلَ: سُنَّةُ اللَّهِ مَعَ الَّذيِنَ خَلَوْا. و(الَّذِينَ خَلَوْا) الَّذِينَ مَضَوْا وتَقَدَّمُوا. والأظْهَرُ أنَّ المُرادَ بِهِمْ مَن سَبَقُوا مِن أعْداءِ النَّبِيءِ ﷺ الَّذِينَ أذِنَهُ اللَّهُ بِقَتْلِهِمْ مِثْلَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنَ المُشْرِكِينَ ومِثْلَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِن يَهُودِ قُرَيْظَةَ. وهَذا أظْهَرُ لِأنَّ ما أصابَ أُولَئِكَ أوْقَعُ في المَوْعِظَةِ إذْ كانَ هَذانِ الفَرِيقانِ عَلى ذِكْرٍ مِنَ المُنافِقِينَ وقَدْ شَهِدُوا بَعْضَهم وبَلَغَهم خَبَرُ بَعْضٍ.

ويُحْتَمَلُ أيْضًا أنْ يَشْمَلَ (الَّذِينَ خَلَوْا) الأُمَمَ السّالِفَةَ الَّذِينَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِأذاهم رُسُلَهم فاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ تَعالى مِثْلَ قَوْمِ فِرْعَوْنَ وأضْرابِهِمْ.

صفحة ١١٢

وذَيَّلَ بِجُمْلَةِ ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ لِزِيادَةِ تَحْقِيقِ أنَّ العَذابَ حائِقٌ بِالمُنافِقِينَ وأتْباعِهِمْ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمّا هم فِيهِ وأنَّ اللَّهَ لا يُخالِفُ سَنَّتَهُ لِأنَّها مُقْتَضى حِكْمَتِهِ وعِلْمِهِ فَلا تَجْرِي مُتَعَلِّقاتُها إلّا عَلى سَنَنٍ واحِدٍ.

والمَعْنى: لَنْ تَجِدَ لِسُنَنِ اللَّهِ مَعَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولا مَعَ الحاضِرِينَ ولا مَعَ الآتِينَ تَبْدِيلًا. وبِهَذا العُمُومِ الَّذِي أفادَهُ وُقُوعُ النَّكِرَةِ في سِياقِ النَّفْيِ تَأهَّلَتِ الجُمْلَةُ لِأنْ تَكُونُ تَذْيِيلًا.