Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكافِرِينَ وأعَدَّ لَهم سَعِيرًا﴾ ﴿خالِدِينَ فِيها أبَدًا لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ .
هَذا حَظُّ الكافِرِينَ مِن وعِيدِ السّاعَةِ، وهَذِهِ لَعْنَةُ الآخِرَةِ قُفِّيَتْ بِها لَعْنَةُ الدُّنْيا في قَوْلِهِ (مَلْعُونِينَ)، ولِذَلِكَ عَطَفَ عَلَيْها ﴿وأعَدَّ لَهم سَعِيرًا﴾ فَكانَتْ لَعْنَةُ الدُّنْيا مُقْتَرِنَةً بِالأخْذِ والتَّقْتِيلِ ولَعْنَةُ الآخِرَةِ مُقْتَرِنَةً بِالسَّعِيرِ.
والجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنافًا بَيانِيًّا لِأنَّ جُمْلَةَ ﴿ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إلّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٠] إلى قَوْلِهِ ﴿ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] تُثِيرُ في نُفُوسِ السّامِعِينَ السُّؤالَ عَنِ الِاقْتِصارِ عَلى لَعْنِهِمْ وتَقْتِيلِهِمْ في الدُّنْيا، وهَلْ ذَلِكَ مُنْتَهى ما عُوقِبُوا بِهِ أوْ لَهم مِن ورائِهِ عَذابٌ ؟ فَكانَ قَوْلُهُ ﴿إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكافِرِينَ﴾ إلَخْ جَوابًا عَنْ ذَلِكَ.
وحَرْفُ التَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمامِ بِالخَبَرِ أوْ مَنظُورٍ بِهِ إلى السّامِعِينَ مِنَ الكافِرِينَ.
والتَّعْرِيفُ في الكافِرِينَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلْعَهْدِ، أيِ الكافِرِينَ الَّذِينَ كانُوا شاقُّوا الرَّسُولَ ﷺ وآذَوْهُ وأرْجَفُوا في المَدِينَةِ وهُمُ المُنافِقُونَ ومَن ناصَرَهم مِنَ
صفحة ١١٥
المُشْرِكِينَ في وقْعَةِ الأحْزابِ ومِنَ اليَهُودِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلِاسْتِغْراقِ، أيْ كُلَّ كافِرٍ.وعَلى الوَجْهَيْنِ فَصِيغَةُ المُضِيِّ في فِعْلِ (لَعَنَ) مُسْتَعْمَلَةٌ في تَحْقِيقِ الوُقُوعِ شِبْهِ المُحَقَّقِ حُصُولُهُ بِالفِعْلِ الَّذِي حَصَلَ فاسْتُعِيرَ لَهُ صِيغَةُ الماضِي مَثَلَ ﴿أتى أمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١] لِأنَّ اللَّعْنَ إنَّما يَقَعُ في الآخِرَةِ وهو مُسْتَقْبَلٌ. وأمّا حالُهم في الدُّنْيا فَمِثْلُ أحْوالِ المَخْلُوقاتِ يَتَمَتَّعُونَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ في الدُّنْيا مِن حَياةٍ ورِزْقٍ ومَلاذٍ كَما هو صَرِيحُ الآياتِ والأخْبارِ النَّبَوِيَّةِ قالَ تَعالى ﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا في البِلادِ﴾ [آل عمران: ١٩٦] ﴿مَتاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران: ١٩٧] .
وقَدْ يَكُونُ في ظاهِرِ الآيَةِ مُتَمَسَّكٌ لِلشَّيْخِ أبِي الحَسَنِ الأشْعَرِيِّ لِقَوْلِهِ بِانْتِفاءِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَنِ الكافِرِينَ خِلافًا لِلْماتُرِيدِيِّ، والقاضِي أبِي بَكْرٍ الباقِلّانِيِّ والمُعْتَزِلَةِ ولَكِنَّهُ مُتَمَسَّكٌ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ التَّحْقِيقَ أنَّ الخِلافَ بَيْنَهُ وبَيْنَهم خِلافٌ لَفْظِيٌّ يَرْجِعُ إلى أنَّ حَقِيقَةَ النِّعْمَةِ تَرْجِعُ إلى ما لا يُعْقِبُ ألَمًا.
والسَّعِيرُ: النّارُ الشَّدِيدَةُ الإيقادِ. وهو فَعِيلٌ بِمَعْنى مَفْعُولٌ، أيْ مَسْعُورَةٌ.
وأُعِيدَ الضَّمِيرُ عَلى السَّعِيرِ في قَوْلِهِ (خالِدِينَ فِيها) مُؤَنَّثًا لِأنَّ سَعِيرًا مِن صِفاتِ النّارِ والنّارُ مُؤَنَّثَةٌ في الِاسْتِعْمالِ.
وجُمْلَةُ ﴿لا يَجِدُونَ ولِيًّا ولا نَصِيرًا﴾ حالٌ مِن ضَمِيرِ (خالِدِينَ) أيْ خالِدِينَ في حالَةِ انْتِفاءِ الوَلِيِّ والنَّصِيرِ عَنْهم فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العَذابُ ولا هم يَنْصُرُونَ.