﴿وما أرْسَلْنا في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ اعْتِراضٌ لِلِانْتِقالِ إلى تَسْلِيَةِ النَّبِيءِ ﷺ مِمّا مُنِيَ بِهِ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ

صفحة ٢١٢

وخاصَّةً ما قابَلَهُ بِهِ سادَتُهم وكُبَراؤُهم مِنَ التَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِتَذْكِيرِهِ أنَّ تِلْكَ سُنَّةُ الرُّسُلِ مِن قَبْلِهِ فَلَيْسَ في ذَلِكَ غَضاضَةٌ عَلَيْهِ ولِذَلِكَ قالَ في الآيَةِ في الزُّخْرُفِ ﴿وكَذَلِكَ ما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ في قَرْيَةٍ مِن نَذِيرٍ إلّا قالَ مُتْرَفُوها إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٣] الَخْ، أيْ وكَذَلِكَ التَّكْذِيبُ الَّذِي كَذَّبَكَ أهْلُ هَذِهِ القَرْيَةِ. والتَّعْرِيضُ بِقَوْمِهِ الَّذِينَ عادَوْهُ بِتَذْكِيرِهِمْ عاقِبَةَ أمْثالِهِمْ مِن أهْلِ القُرى الَّتِي كَذَّبَ أهْلُها وأغْراهم بِذَلِكَ زُعَماؤُهم.

والمُتْرَفُونَ: الَّذِينَ أُعْطُوا التَّرَفَ، والتَّرَفُ: النَّعِيمُ وسَعَةُ العَيْشِ، وهو مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ بِتَقْدِيرِ: أنَّ اللَّهَ أتْرَفَهم كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ وأتْرَفْناهم في الحَياةِ الدُّنْيا﴾ [المؤمنون: ٣٣] في سُورَةِ الأنْبِياءِ.

وفِي بِنائِهِ لِلْمَفْعُولِ تَعْرِيضٌ بِالتَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ لَعَلَّهم يَشْكُرُونَها ويُقْلِعُونَ عَنِ الإشْراكِ بِهِ، وبَعْضُ أهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُ تَقْدِيرُهُ: أتْرَفَتْهُمُ النِّعْمَةُ، أيْ أبْطَرَتْهم.

و﴿إنّا بِما أُرْسِلْتُمْ﴾ حِكايَةٌ لِلْقَوْلِ بِالمَعْنى: أيْ قالَ مُتْرَفُو كُلِّ قَرْيَةٍ لِرَسُولِهِمْ: إنّا بِما أُرْسِلْتَ بِهِ كافِرُونَ. وهَذا مِن مُقابَلَةِ الجَمْعِ بِالجَمْعِ الَّتِي يُرادُ مِنها التَّوْزِيعُ عَلى آحادِ الجَمْعِ.

وقَوْلُهم أُرْسِلْتُمْ بِهِ تَهَكُّمٌ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ كافِرُونَ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وقالُوا يا أيُّها الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذَّكْرُ إنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦]، أوِ المَعْنى: إنّا بِما ادَّعَيْتُمْ أنَّكم أُرْسِلْتُمْ بِهِ.