﴿والَّذِينَ يَسْعَوْنَ في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ في العَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ جَرى الكَلامُ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَعْقِيبِ التَّرْغِيبِ بِالتَّرْهِيبِ وعَكْسِهِ، فَكانَ هَذا بِمَنزِلَةِ الِاعْتِراضِ بَيْنَ الثَّناءِ عَلى المُؤْمِنِينَ الصّالِحِينَ وبَيْنَ إرْشادِهِمْ إلى الِانْتِفاعِ بِأمْوالِهِمْ لِلْقُرْبِ عِنْدَ اللَّهِ بِجُمْلَةِ ﴿وما أنْفَقْتُمْ مِن شَيْءٍ﴾ [سبإ: ٣٩] الَخْ. والَّذِينَ يَسْعَوْنَ في الآياتِ هُمُ المُشْرِكُونَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَماعِ القُرْآنِ وبِالطَّعْنِ فِيهِ بِالباطِلِ واللَّغْوِ عِنْدَ سَماعِهِ.

والسَّعْيُ مُسْتَعارٌ لِلِاجْتِهادِ في العَمَلِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ثُمَّ أدْبَرَ يَسْعى﴾ [النازعات: ٢٢] وإذا عُدِّيَ بِـ ”في“ كانَ في الغالِبِ مُرادًا مِنهُ الِاجْتِهادُ في المَضَرَّةِ فَمَعْنى ﴿يَسْعَوْنَ في آياتِنا﴾ يَجْتَهِدُونَ في إبْطالِها، ومُعاجِزِينَ مُغالِبِينَ مُطالِبِينَ العَجْزَ. وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والَّذِينَ سَعَوْا في آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَحِيمِ﴾ [الحج: ٥١] في سُورَةِ الحَجِّ.

واسْمُ الإشارَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الجَحِيمَ لِأجْلِ ما ذُكِرَ قَبْلَ اسْمِ الإشارَةِ مَثْلَ ﴿أُولَئِكَ عَلى هُدًى مِن رَبِّهِمْ﴾ [البقرة: ٥] وفي العَذابِ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ.

ومُحْضَرُونَ هُنا كِنايَةٌ عَنِ المُلازَمَةِ فَهو ارْتِقاءٌ في المَعْنى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أداةُ الظَّرْفِيَّةِ مِن إحاطَةِ العَذابِ بِهِمْ وهو خَبَرٌ ثانٍ عَنِ اسْمِ الإشارَةِ ومُتَعَلِّقِهِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الظَّرْفُ وقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَأُولَئِكَ في العَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] في سُورَةِ الرُّومِ.