﴿قُلْ جاءَ الحَقُّ وما يُبْدِئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ﴾ أُعِيدَ فِعْلُ قُلْ لِلِاهْتِمامِ بِالمَقُولِ كَما تَقَدَّمَ آنِفًا.

وجُمْلَةُ (قُلْ جاءَ الحَقُّ) تَأْكِيدٌ لِجُمْلَةِ ﴿قُلْ إنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالحَقِّ﴾ [سبإ: ٤٨] فَإنَّ الحَقَّ

صفحة ٢٣٩

قَدْ جاءَ بِنُزُولِ القُرْآنِ ودَعْوَةِ الإسْلامِ. وعَطَفَ ”﴿وما يُبْدِئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ﴾“ عَلى ”﴿جاءَ الحَقُّ﴾“ لِأنَّهُ إذا جاءَ الحَقُّ انْقَشَعَ الباطِلُ مِنَ المَوْضِعِ الَّذِي حَلَّ فِيهِ الحَقُّ.

و(يُبْدِئُ) مُضارِعُ أبْدَأ بِهَمْزَةٍ في أوَّلِهِ وهَمْزَةٍ في آخِرِهِ والهَمْزَةُ الَّتِي في أوَّلِهِ لِلزِّيادَةِ مِثْلُ هَمْزَةِ: أجاءَ، وأسْرى. وإسْنادُ الإبْداءِ والإعادَةِ إلى الباطِلِ مَجازٌ عَقْلِيٌّ أوِ اسْتِعارَةٌ.

ومَعْنى وما يُبْدِئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ الكِنايَةُ عَنِ اضْمِحْلالِهِ وزَوالِهِ وهو ما عَبَّرَ عَنْهُ بِالزُّهُوقِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقًا﴾ [الإسراء: ٨١] في سُورَةِ الإسْراءِ، وذَلِكَ أنَّ المَوْجُودَ الَّذِي تَكُونُ لَهُ آثارٌ إمّا أنْ تَكُونَ آثارُهُ مُسْتَأْنَفَةً أوْ مُعادَةً فَإذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إبْداءٌ ولا إعادَةٌ فَهو مَعْدُومٌ وأصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِن تَصَرُّفِ الحَيِّ فَيَكُونُ ما يُبْدِئُ وما يُعِيدُ كِنايَةً عَنِ الهَلاكِ كَما قالَ عُبَيْدُ بْنُ الأبْرَصِ:

أفْقَرَ مِن أهْلِهِ عَبِيدُ فاليَوْمَ لا يُبْدِي ولا يُعِيدُ

يَعْنِي نَفْسَهُ.

ويَقُولُونَ أيْضًا: فُلانٌ ما يُبْدِئُ وما يُعِيدُ، أيْ ما يَتَكَلَّمُ بِبادِئَةٍ ولا عائِدَةٍ، أيْ لا يَرْتَجِلُ كَلامًا ولا يُجِيبُ عَنْ كَلامِ غَيْرِهِ. وأكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ فِعْلُ ”بَدَأ“ المَهْمُوزُ أوَّلُهُ مَعَ فِعْلِ ”أعادَ“ مُزْدَوِجَيْنِ في إثْباتٍ أوْ نَفْيٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [العنكبوت: ١٩] في سُورَةِ العَنْكَبُوتِ.