Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ وإلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [فاطر: ٣] أيْ وإنِ اسْتَمَرُّوا عَلى انْصِرافِهِمْ عَنْ قَبُولِ دَعْوَتِكَ ولَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ بِبَعْثِكَ فَلا عَجَبَ فَقَدْ كَذَّبَ أقْوامٌ مِن قَبْلِهِمْ رُسُلًا مِن قَبْلُ. وهو انْتِقالٌ مِن خِطابِ النّاسِ إلى خِطابِ النَّبِيءِ ﷺ لِمُناسَبَةِ جَرَيانِ خِطابِ النّاسِ عَلى لِسانِهِ فَهو مُشاهِدٌ لِخِطابِهِمْ، فَلا جَرَمَ أنْ يُوَجَّهَ إلَيْهِ الخِطابُ بَعْدَ تَوْجِيهِهِ إلَيْهِمْ إذِ المَقامُ واحِدٌ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿يُوسُفُ أعْرِضْ عَنْ هَذا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ [يوسف: ٢٩] .
وإذْ قَدْ أبانَ لَهُمُ الحُجَّةَ عَلى انْفِرادِ اللَّهِ تَعالى بِالإلَهِيَّةِ حِينَ خاطَبَهم بِذَلِكَ نُقِلَ الإخْبارُ عَنْ صِدْقِ الرَّسُولِ ﷺ فِيما أنْكَرُوا قَبُولَهُ مِنهُ فَإنَّهُ لَمّا اسْتَبانَ صِدْقُهُ في ذَلِكَ بِالحُجَّةِ ناسَبَ أنْ يُعْرَضَ إلى الَّذِينَ كَذَّبُوهُ بِمِثْلِ عاقِبَةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ مَن قَبْلِهِ وقَدْ أُدْمِجَ في خِلالِ ذَلِكَ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ ﷺ عَلى تَكْذِيبِ قَوْمِهِ إيّاهُ بِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقامُهُ في ذَلِكَ دُونَ مَقامِ الرُّسُلِ السّابِقِينَ.
وجِيءَ في هَذا الشَّرْطِ بِحَرْفِ ”إنِ“ الَّذِي أصْلُهُ أنْ يُعَلَّقَ بِهِ شَرْطٌ غَيْرَ مَقْطُوعٍ بِوُقُوعِهِ تَنْزِيلًا لَهم بَعْدَ ما قُدِّمَتْ إلَيْهِمُ الحُجَّةُ عَلى وحْدانِيَّةِ اللَّهِ المُصَدِّقَةِ لِما جاءَهم بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَكَذَّبُوهُ فِيهِ، مَنزِلَةَ مَن أيْقَنَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَلا يَكُونُ فَرْضُ اسْتِمْرارِهِمْ عَلى تَكْذِيبِهِ إلّا كَما يُفْرَضُ المُحالُ.
صفحة ٢٥٧
وهَذا وجْهُ إيثارِ الشَّرْطِ هُنا بِالفِعْلِ المُضارِعِ الَّذِي في حَيِّزِ الشَّرْطِ يَتَمَخَّضُ لِلِاسْتِقْبالِ، أيْ إنْ حَدَثَ مِنهم تَكْذِيبٌ بَعْدَ ما قَرَعَ أسْماعَهم مِنَ البَراهِينِ الدّامِغَةِ.والمَذْكُورُ جَوابًا لِلشَّرْطِ إنَّما هو سَبَبٌ لِجَوابٍ مَحْذُوفٍ إذِ التَّقْدِيرُ: وإنْ يُكَذِّبُوكَ فَلا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُهم إذْ قَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فاسْتُغْنِيَ بِالسَّبَبِ عَنِ المُسَبَّبِ لِدَلالَتِهِ عَلَيْهِ.
وإنَّما لَمْ يُعَرَّفْ ”رُسُلٌ“ وجِيءَ بِهِ مُنَكَّرًا لِما في التَّنْكِيرِ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى تَعْظِيمِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ زِيادَةً عَلى جانِبِ صِفَةِ الرِّسالَةِ مِن جانِبِ كَثْرَتِهِمْ وتَنَوُّعِ آياتِ صِدْقِهِمْ ومَعَ ذَلِكَ كَذَّبَهم أقْوامُهم.
وعُطِفَ عَلى هَذِهِ التَّسْلِيَةِ والتَّعْرِيضِ ما هو كالتَّأْكِيدِ لَهُما والتَّذْكِيرِ بِعاقِبَةِ مَضْمُونِها بِأنَّ أمْرَ المُكَذِّبِينَ قَدْ آلَ إلى لِقائِهِمْ جَزاءَ تَكْذِيبِهِمْ مِن لَدُنِ الَّذِي تُرْجَعُ إلَيْهِ الأُمُورُ كُلُّها، فَكانَ أمْرُ أُولَئِكَ المُكَذِّبِينَ وأمْرُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ في جُمْلَةِ عُمُومِ الأُمُورِ الَّتِي أُرْجِعَتْ إلى اللَّهِ تَعالى إذْ لا تَخْرُجُ أُمُورُهم مِن نِطاقِ عُمُومِ الأُمُورِ.
وقَدِ اكْتَسَبَتْ هَذِهِ الجُمْلَةُ مَعْنى التَّذْيِيلِ بِما فِيها مِنَ العُمُومِ.
و”الأُمُورُ“: جَمْعُ أمْرٍ وهو الشَّأْنُ والحالُ، أيْ إلى اللَّهِ تُرْجَعُ الأحْوالُ كُلُّها يَتَصَرَّفُ فِيها كَيْفَ شاءَ، فَتَكُونُ الآيَةُ تَهْدِيدًا لِلْمُكَذِّبِينَ وإنْذارًا.