﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهم عَذابٌ شَدِيدٌ والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِيرٌ﴾ اسْتِئْنافٌ ابْتِدائِيٌّ يُفِيدُ مَفادَ الفَذْلَكَةِ والِاسْتِنْتاجِ مِمّا تَقَدَّمَ.

هَذا الِاسْتِئْنافُ يَوْمِئُ إلى أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا هم حِزْبُ الشَّيْطانِ لِأنَّهُ لَمّا ذَكَرَ أنَّ حِزْبَهُ مِن أصْحابِ السَّعِيرِ وحَكَمَ هُنا بِأنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهم عَذابٌ شَدِيدٌ عُلِمَ أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أصْحابِ السَّعِيرِ إذْ هو العَذابُ الشَّدِيدُ فَعُلِمَ أنَّهم حِزْبُ الشَّيْطانِ بِطَرِيقَةِ قِياسٍ مَطْوِيٍّ، فالَّذِينَ كَفَرُوا هم حِزْبُ الشَّيْطانِ لِعُكُوفِهِمْ عَلى مُتابَعَتِهِ وإنْ لَمْ يُعْلِنُوا ذَلِكَ لِاقْتِناعِهِ مِنهم بِمُلازَمَةِ ما يُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ.

صفحة ٢٦٣

وأمّا المُؤْمِنُونَ العُصاةُ فَلَيْسُوا مِن حِزْبِهِ لِأنَّهم يَعْلَمُونَ كَيْدَهُ ولَكِنَّهم يَتَّبِعُونَ بَعْضَ وسْوَسَتِهِ بِدافِعِ الشَّهَواتِ وهم مَعَ ذَلِكَ يَلْعَنُونَهُ ويَتَبَرَّأُونَ مِنهُ. وقَدْ قالَ النَّبِيءُ ﷺ في حَجَّةِ الوَداعِ «إنَّ الشَّيْطانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يُعْبَدَ في أرْضِكم هَذِهِ ولَكِنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنكم بِما دُونَ ذَلِكَ مِمّا تَحْقِرُونَ مِن أعْمالِكم» .

وذِكْرُ ﴿والَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ تَتْمِيمٌ بِأنَّ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مِن حِزْبِهِ قَدْ فازُوا بِالخَيْراتِ.

وقَدْ أشارَتِ الآيَةُ إلى طَرَفَيْنِ في الضَّلالِ والِاهْتِداءِ وطَوَتْ ما بَيْنَ ذَيْنِكَ مِنَ المَراتِبِ لِيُعْلَمَ أنَّ ما بَيْنَ ذَلِكَ يَنالُهم نَصِيبُهم مِن أشْبَهِ أحْوالِهِمْ بِأحْوالِ أحَدِ الفَرِيقَيْنِ عَلى عادَةِ القُرْآنِ في وضْعِ المُسْلِمِ بَيْنَ الخَوْفِ والرَّجاءِ. والأمَلِ والرَّهْبَةِ.