Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ٥١
﴿ولَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأنّى يُبْصِرُونَ﴾ ﴿ولَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهم عَلى مَكانَتِهِمْ فَما اسْتَطاعُوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعُونَ﴾ عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ، ومَوْقِعُ هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنَ الَّتِي قَبْلَهُما أنَّهُ لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ إلْجاءَهم إلى الِاعْتِرافِ بِالشِّرْكِ بَعْدَ إنْكارِهِ يَوْمَ القِيامَةِ كانَ ذَلِكَ مُثِيرًا لِأنْ يَهْجِسَ في نُفُوسِ المُؤْمِنِينَ أنْ يَتَمَنَّوْا لَوْ سَلَكَ اللَّهُ بِهِمْ في الدُّنْيا مِثْلَ هَذا الإلْجاءِ فَألْجَأهم إلى الإقْرارِ بِوَحْدانِيَّتِهِ وإلى تَصْدِيقِ رَسُولِهِ واتِّباعِ دِينِهِ، فَأفادَ اللَّهُ أنَّهُ لَوْ تَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِذَلِكَ في الدُّنْيا لَفَعَلَ، إيماءً إلى أنَّ إرادَتَهُ تَعالى تُجْرِي تَعَلُقاتِهِا عَلى وفْقِ عِلْمِهِ تَعالى وحَكْمَتِهِ، فَهو قَدْ جَعَلَ نِظامَ الدُّنْيا جارِيًا عَلى حُصُولِ الأشْياءِ عَنْ أسْبابِها الَّتِي وكَّلَ اللَّهُ إلَيْها إنْتاجَ مُسَبَّباتِها وأثارِها وتَوالُداتِها حَتّى إذا بُدِّلَ هَذا العالَمُ بِعالَمِ الحَقِيقَةِ أجْرى الأُمُورَ كُلَّها عَلى المَهْيَعِ الحَقِّ الَّذِي لا يَنْبَغِي غَيْرُهُ في مَجارِي العَقْلِ والحِكْمَةِ. والمَعْنى إنّا ألْجَأْناهم إلى الإقْرارِ في الآخِرَةِ بِأنَّ ما كانُوا عَلَيْهِ في الدُّنْيا شِرْكٌ وباطِلٌ ولَوْ نَشاءُ لَأرَيْناهم آياتِنا في الدُّنْيا لِيَرْتَدِعُوا ويَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وسُوءِ إنْكارِهِمْ.ولَمّا كانَتْ ”لَوْ“ تَقْتَضِي امْتِناعًا لِامْتِناعٍ فَهي تَقْتَضِي مَعْنى: لَكِنّا لَمْ نَشَأْ ذَلِكَ فَتَرَكْناهم عَلى شَأْنِهِمُ اسْتِدْراجًا وتَمْيِيزًا بَيْنَ الخَبِيثِ والطَّيِّبِ. فَهَذا كَلامٌ مُوَجَّهٌ إلى المُسْلِمِينَ ومُرادٌ مِنهُ تَبْصِرَةُ المُؤْمِنِينَ وإرْشادُهم إلى الصَّبْرِ عَلى ما يُلاقُونَهُ مِنَ المُشْرِكِينَ حَتّى يَأْتِيَ نَصْرُ اللَّهِ.
فالطَّمْسُ والمَسْخُ المُتَعَلِّقانِ عَلى الشَّرْطِ الِامْتِناعِيِّ طَمْسٌ ومَسْخٌ في الدُّنْيا لا في الآخِرَةِ.
والطَّمْسُ: مَسْخُ شَواهِدِ العَيْنِ بِإزالَةِ سَوادِها وبَياضِها أوِ اخْتِلاطِهِما وهو العَمى أوِ العَوَرُ، ويُقالُ: طَرِيقٌ مَطْمُوسَةٌ، إذا لَمْ تَكُنْ فِيها آثارُ السّائِرِينَ لِيَقْفُوَها السّائِرُ. وحَرْفُ الِاسْتِعْلاءِ لِلدَّلالَةِ عَلى تَمَكُّنِ الطَّمْسِ وإلّا فَإنَّ طَمَسَ يَتَعَدّى بِنَفْسِهِ.
صفحة ٥٢
والِاسْتِباقُ: افْتِعالٌ مِنَ السَّبْقِ والِافْتِعالُ دالٌّ عَلى التَّكَلُّفِ والِاجْتِهادِ في الفِعْلِ أيْ فَبادَرُوا.والصِّراطُ: الطَّرِيقُ الَّذِي يُمْشى فِيهِ، وتَعْدِيَةُ فِعْلِ الِاسْتِباقِ إلَيْهِ عَلى حَذْفِ إلى بِطَرِيقَةِ الحَذْفِ والإيصالِ، قالَ الشّاعِرُ وهو مِن شَواهِدِ الكِتابِ:
تَمُرُّونَ الدِّيارَ ولَمْ تَعُوجُوا
أرادَ: تَمُرُّونَ عَلى الدِّيارِ.أوْ عَلى تَضْمِينِ اسْتَبَقُوا مَعْنى ابْتَدَرُوا، أيِ ابْتَدَرُوا الصِّراطَ مُتَسابِقِينَ، أيْ مُسْرِعِينَ لِما دَهَمَهم رَجاءَ أنْ يَصِلُوا إلى بُيُوتِهِمْ قَبْلَ أنْ يَهْلِكُوا فَلَمْ يُبْصِرُوا الطَّرِيقَ. وتَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعالى إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ في سُورَةِ يُوسُفَ.
و(أنّى) اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى (كَيْفَ) وهو مُسْتَعْمَلٌ في الإنْكارِ، أيْ لا يُبْصِرُونَ وقَدْ طُمِسَتْ أعْيُنُهم، أيْ لَوْ شِئْنا لِعَجَّلْنا لَهم عُقُوبَةً في الدُّنْيا يَرْتَدِعُونَ بِها لِيُقْلِعُوا عَنْ إشْراكِهِمْ.
والمَسْخُ: تَصْيِيرُ جِسْمِ الإنْسانِ في صُورَةِ جِسْمٍ مِن غَيْرِ نَوْعِهِ، وقَدْ تَقَدَّمَ القَوْلُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَقُلْنا لَهم كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ﴾ [البقرة: ٦٥] في سُورَةِ البَقَرَةِ.
وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ المَمْسُوخَ لا يَعِيشُ أكْثَرَ مِن ثَلاثَةِ أيّامٍ وعَلَيْهِ فَلا شَيْءَ مِنَ الأشْياءِ المَوْجُودَةِ الآنَ بِبَقِيَّةِ مَسْخٍ.
والمَكانَةُ: تَأْنِيثُ المَكانِ عَلى تَأْوِيلِهِ بِالبُقْعَةِ كَما قالُوا: مُقامٌ ومُقامَةٌ، ودارٌ ودارَةٌ، أيْ لَوْ نَشاءُ لَمَسَخْنا الكافِرِينَ في الدُّنْيا في مَكانِهِمُ الَّذِي أظْهَرُوا فِيهِ التَّكْذِيبَ بِالرُّسُلِ فَما اسْتَطاعُوا انْصِرافًا إلى ما خَرَجُوا إلَيْهِ ولا رُجُوعًا إلى ما أتَوْا مِنهُ بَلْ لَزِمُوا مَكانَهم لِزَوالِ العَقْلِ الإنْسانِيِّ مِنهم بِسَبَبِ المَسْخِ.
وكانَ مُقْتَضى المُقابَلَةِ أنْ يُقالَ: ولا رُجُوعًا، ولَكِنْ عَدَلَ إلى ولا يَرْجِعُونَ لِرِعايَةِ الفاصِلَةِ فَجُعِلَ قَوْلُهُ ولا يَرْجِعُونَ عَطْفًا عَلى جُمْلَةِ ما اسْتَطاعُوا ولَيْسَ عَطْفًا عَلى ”مُضِيًّا“ لِأنَّ فِعْلَ اسْتَطاعَ لا يَنْصِبُ الجُمَلَ. والتَّقْدِيرُ: فَما
صفحة ٥٣
مَضَوْا ولا رَجَعُوا، فَجَعَلْنا لَهُمُ العَذابَ في الدُّنْيا قَبْلَ الآخِرَةِ وأرَحْنا مِنهُمُ المُؤْمِنِينَ وتَرَكْناهم عِبْرَةً ومَوْعِظَةً لِمَن بَعْدَهم.