﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ هَذِهِ فَذَلَكَةُ الِاسْتِدْلالِ، وفَصْلُ المَقالِ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَمّا قَبْلَها كَما تُفْصَلُ جُمْلَةُ النَّتِيجَةِ عَنْ جُمْلَتِيِ القِياسِ، فَقَدْ نَتَجَ مِمّا تَقَدَّمَ أنَّهُ تَعالى إذا أرادَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ قُدْرَتُهُ بِإيجادِهِ بِالأمْرِ التَّكْوِينِيِّ المُعَبِّرِ عَنْ تَقْرِيبِهِ بِـ (كُنْ) وهو أخْصَرُ كَلِمَةٍ تُعَبِّرُ عَنِ الأمْرِ بِالكَوْنِ، أيِ الِاتِّصافَ بِالوُجُودِ.

والأمْرُ في قَوْلِهِ (﴿إنَّما أمْرُهُ﴾) بِمَعْنى الشَّأْنِ؛ لِأنَّهُ المُناسِبُ لِإنْكارِهِمْ قُدْرَتَهُ عَلى إحْياءِ الرَّمِيمِ، أيْ لا شَأْنَ لِلَّهِ في وقْتِ إرادَتِهِ تَكْوِينَ كائِنٍ إلّا تَقْدِيرُهُ بِأنْ يُوجِدَهُ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ الَّذِي يَنْطاعُ لَهُ المَقْدُورُ بِقَوْلِ (كُنْ) لِيُعْلِمَ أنْ لا يُباشِرَ صُنْعَهُ بِيَدٍ ولا بِآلَةٍ ولا بِعَجْنِ مادَّةِ ما يَخْلُقُ مِنهُ كَما يَفْعَلُ الصُّنّاعُ والمُهَنْدِسُونَ، لِأنَّ المُشْرِكِينَ نَشَأ لَهم تَوَهُّمُ اسْتِحالَةِ المَعادِ مِنِ انْعِدامِ المَوادِ فَضْلًا عَنْ إعْدادِها وتَصْوِيرِها، فالقَصْرُ إضافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقادِهِمْ أنَّهُ يَحْتاجُ إلى جَمْعِ مادَّةٍ وتَكْيِيفِها ومُضِيُّ مُدَّةٍ لِإتْمامِها.

و(إذا) ظَرْفُ زَمانٍ في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى المَفْعُولِ فِيهِ، أيْ حِينَ إرادَتِهِ شَيْئًا.

صفحة ٨٠

وقَرَأ الجُمْهُورُ ”﴿فَيَكُونُ﴾“ مَرْفُوعًا عَلى تَقْدِيرِ: أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَهو يَكُونُ. وقَرَأهُ ابْنُ عامِرٍ والكِسائِيُّ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى (يَقُولَ) المَنصُوبُ.