﴿فَإنَّهم يَوْمَئِذٍ في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ﴾ هَذا الكَلامُ مِنَ اللَّهِ تَعالى مُوَجَّهٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ والمُؤْمِنِينَ، ويُشْبِهُ أنْ يَكُونَ اعْتِراضًا بَيْنَ حِكايَةِ حِوارِ اللَّهِ أهْلَ الشِّرْكِ في القِيامَةِ وبَيْنَ تَوْبِيخِ اللَّهِ إيّاهم بِقَوْلِهِ ﴿إنَّكم لَذائِقُواْ العَذابِ الألِيمِ﴾ [الصافات: ٣٨] .

والفاءُ لِلْفَصِيحَةِ لِأنَّها ورَدَتْ بَعْدَ تَقْرِيرِ أحْوالٍ، وكانَ ما بَعْدَ الفاءِ نَتِيجَةً لِتِلْكَ الأحْوالِ، فَكانَتِ الفاءُ مُفْصِحَةً عَنْ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أيْ إذا كانَ حالُهم كَما سَمِعْتُمْ فَإنَّهم يَوْمَ القِيامَةِ في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ لِاشْتِراكِهِمْ في الشِّرْكِ وتَمالُئِهِمْ، أيْ لا عُذْرَ لِلْكَلامِ لِلْفَرِيقَيْنِ لا لِلزُّعَماءِ بِتَسْوِيلِهِمْ ولا لِلدَّهْماءِ بِنَصْرِهِمْ. وقَدْ يَكُونُ عَذابُ الدُّعاةِ المُغْوِينَ أشَدَّ مِن عَذابِ الآخَرِينَ، وذَلِكَ لا يُنافِي الإشْراكَ في جِنْسِ العَذابِ كَما دَلَّتْ عَلَيْهِ أدِلَّةٌ أُخْرى؛ لِأنَّ المَقْصُودَ هُنا بَيانُ عَدَمِ إجْداءِ مَعْذِرَةِ كِلا الفَرِيقَيْنِ وتَنَصُّلِهِ.

وهَذِهِ الجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمَلِ حِكايَةِ مَوْقِفِهِمْ في الحِسابِ.

وجُمْلَةُ ﴿إنّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ﴾ تَعْلِيلٌ لِما اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ ﴿فَإنَّهم يَوْمئِذٍ في

صفحة ١٠٧

العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ أيْ فَإنَّ جَزاءَ المُجْرِمِينَ يَكُونُ مِثْلَ ذَلِكَ الجَزاءِ في مُؤاخَذَةِ التّابِعِ المَتْبُوعِ.

والمُرادُ بِالمُجْرِمِينَ: المُشْرِكُونَ، أيِ المُجْرِمِينَ مِثْلَ جُرْمِهِمْ، وقَدْ بَيَّنَتْهُ جُمْلَةُ ﴿إنَّهم كانُوا إذا قِيلَ لَهم لا إلَهَ إلّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الصافات: ٣٥] .