Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
صفحة ١٢١
﴿أذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ ﴿إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ﴾ ﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾ ﴿طَلْعُها كَأنَّهُ رُءُوسُ الشَّياطِينِ﴾ ﴿فَإنَّهم لَآكِلُونَ مِنها فَمالِئُونَ مِنها البُطُونَ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾ ﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهم لَإلى الجَحِيمِ﴾اسْتِئْنافٌ بَعْدَ تَمامِ قِصَّةِ المُؤْمِنِ ورِفاقِهِ قُصِدَ مِنهُ التَّنْبِيهُ إلى البَوْنِ بَيْنَ حالِ المُؤْمِنِ والكافِرِ، جَرى عَلى عادَةِ القُرْآنِ في تَعْقِيبِ القَصَصِ والأمْثالِ بِالتَّنْبِيهِ إلى مَغازِيها ومَواعِظِها.
فالمَقْصُودُ بِالخَبَرِ هو قَوْلُهُ ”﴿إنّا جَعَلْناها﴾“، أيْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ إلى آخِرِها. وإنَّما صِيغَ الكَلامُ عَلى هَذا الأُسْلُوبِ لِلتَّشْوِيقِ إلى ما يَرِدُ فِيهِ.
والِاسْتِفْهامُ مُكَنًّى بِهِ عَنِ التَّنْبِيهِ عَلى فَضْلِ حالِ المُؤْمِنِ وفَوْزِهِ وخَسارِ الكافِرِ. وهو خِطابٌ لِكُلِّ سامِعٍ.
والإشارَةُ بِ ”أذَلِكَ“ إلى ما تَقَدَّمَ مِن حالِ المُؤْمِنِينَ في النَّعِيمِ والخُلُودِ، وجِيءَ بِاسْمِ الإشارَةِ مُفْرَدًا بِتَأْوِيلِ المَذْكُورِ، بِعَلامَةِ بُعْدِ المُشارِ إلَيْهِ لِتَعْظِيمِهِ بِالبُعْدِ، أيْ بُعْدِ المَرْتَبَةِ وسُمُوِّها لِأنَّ الشَّيءَ النَّفِيسَ الشَّرِيفَ يُتَخَيَّلُ عالِيًا، والعالِي يُلازِمُهُ البُعْدُ عَنِ المَكانِ المُعْتادِ وهو السُّفْلُ، وأيْنَ الثُّرَيّا مِنَ الثَّرى.
والنُّزُلُ: بِضَمَّتَيْنِ، ويُقالُ: نُزْلٌ بِضَمٍّ وسُكُونٍ، هو في أصْلِ اللُّغَةِ: المَكانُ الَّذِي يَنْزِلُ فِيهِ النّازِلُ، قالَهُ الزَّجاجُ. وجَرى عَلَيْهِ صاحِبُ اللِّسانِ وصاحِبُ القامُوسِ، وأُطْلِقَ إطْلاقًا شائِعًا كَثِيرًا عَلى الطَّعامِ المُهَيَّأِ لِلضَّيْفِ لِأنَّهُ أُعِدَّ لَهُ لِنُزُولِهِ، تَسْمِيَةً بِاسْمِ مَكانِهِ نَظِيرَ ما أطْلَقُوا اسْمَ السُّكْنِ بِسُكُونِ الكافِ عَلى الطَّعامِ المُعَدِّ لِلسّاكِنِ الدّارِ إذِ المَسْكَنُ يُقالُ فِيهِ: سَكْنٌ أيْضًا.
واقْتَصَرَ عَلَيْهِ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ ولَمْ يَذْكُرِ الرّاغِبُ غَيْرَهُ.
ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مِنَ النُّزُلِ هُنا طَعامَ الضِّيافَةِ في الجَنَّةِ.
صفحة ١٢٢
ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ مَكانَ النُّزُولِ عَلى تَقْدِيرِ مُضافٍ في قَوْلِهِ ﴿أمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾ بِتَقْدِيرِ: أمْ مَكانُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ.وعَلى الوَجْهَيْنِ فانْتِصابُ ”نُزُلًا“ عَلى الحالِ مِنِ اسْمِ الإشارَةِ ومُتَوَجَّهُ الإشارَةِ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلى ما يُناسِبُ الوَجْهَيْنِ مِمّا تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ ﴿رِزْقٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ٤١] ﴿فَواكِهُ وهم مُكْرَمُونَ﴾ [الصافات: ٤٢] ﴿فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ﴾ [الصافات: ٤٣] .
ويَجْرِي عَلى الوَجْهَيْنِ مَعْنى مُعادِلِ الِاسْتِفْهامِ فَيَكُونُ إمّا أنْ تُقَدِّرَ: أمْ مَنزِلُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ عَلى حَدِّ قَوْلِهِ تَعالى ﴿أيُّ الفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقامًا وأحْسَنُ نَدِيًّا﴾ [مريم: ٧٣] فَقَدْ ذَكَرَ مَكانَيْنِ، وإمّا أنْ نُقَدِّرَ: أمْ نَزَّلَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، وعَلى هَذا الوَجْهِ الثّانِي تَكُونُ المُعادَلَةُ مُشاكَلَةٌ تَهَكُّمًا لِأنَّ طَعامَ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ لا يَحِقُّ لَهُ أنْ يُسَمّى نُزُلًا.
وشَجَرَةُ الزَّقُّومِ ذُكِرَتْ هُنا ذِكْرَ ما هو مَعْهُودٌ مِن قَبْلُ لِوُرُودِها مُعَرَّفَةً بِالإضافَةِ لِوُقُوعِها في مَقامِ التَّفاوُتِ بَيْنَ حالَيْ خَيْرٍ وشَرٍّ، فَيُناسِبُ أنْ تَكُونَ الحَوالَةُ عَلى مَثَلَيْنِ مَعْرُوفَيْنِ، فَأمّا أنْ يَكُونَ اسْمًا جَعَلَهُ القُرْآنُ لِشَجَرَةٍ في جَهَنَّمَ ويَكُونَ سَبَقَ ذِكْرُها في ﴿ثُمَّ إنَّكم أيُّها الضّالُّونَ المُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة: ٥١] ﴿لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِن زَقُّومٍ﴾ [الواقعة: ٥٢] في سُورَةِ الواقِعَةِ، وكانَ نُزُولُها قَبْلَ سُورَةِ الصّافّاتِ. ويُبَيِّنُ هَذا ما رَواهُ الكَلْبِيُّ أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ أيْ آيَةُ سُورَةِ الواقِعَةِ قالَ ابْنُ الزِّبَعْرى: أكْثَرَ اللَّهُ في بُيُوتِكُمُ الزَّقُّومَ، فَإنَّ أهْلَ اليَمَنِ يُسَمُّونَ التَّمْرَ والزُّبْدَ بِالزَّقُّومِ. فَقالَ أبُو جَهْلٍ لِجارِيَتِهِ: زَقِّمِينا، فَأتَتْهُ بِزُبْدٍ وتَمْرٍ، فَقالَ: تَزَقَّمُوا.
وعَنِ ابْنِ سِيدَهْ: بَلَغَنا أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ ﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾ [الدخان: ٤٣] ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٤] أيْ في سُورَةِ الدُّخانِ لَمْ تَعْرِفْها قُرَيْشٌ. فَقالَ أبُو جَهْلٍ: يا جارِيَةُ هاتِي لَنا تَمْرًا وزُبْدًا نَزْدَقِمُهُ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ ويَقُولُونَ: أفَبِهَذا يُخَوِّفُنا مُحَمَّدٌ في الآخِرَةِ اهـ. والمُناسِبُ أنْ يَكُونَ قَوْلُهم هَذا عِنْدَما سَمِعُوا آيَةَ سُورَةِ الدُّخانِ وقَدْ جاءَتْ فِيها نَكِرَةً. وإمّا أنْ يَكُونَ اسْمًا لِشَجَرٍ مَعْرُوفٍ هو مَذْمُومٌ، قِيلَ: هو شَجَرٌ مِن أخْبَثِ الشَّجَرِ يَكُونُ بِتُهامَةَ وبِالبِلادِ المُجْدِبَةِ المُجاوِرَةِ لِلصَّحَراءِ، كَرِيهَةُ الرّائِحَةِ صَغِيرَةُ الوَرَقِ مَسْمُومَةٌ ذاتُ لَبَنٍ إذا أصابَ جِلْدَ الإنْسانِ تَوَرَّمَ وماتَ مِنهُ في الغالِبِ. قالَهُ قُطْرُبٌ وأبُو حَنِيفَةَ.
صفحة ١٢٣
وتَصَدِّي القُرْآنِ لِوَصْفِها المُفَصَّلِ هُنا يَقْتَضِي أنَّها لَيْسَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَهم، فَذَكَرَها مُجْمَلَةً في سُورَةِ الواقِعَةِ، فَلَمّا قالُوا ما قالُوا فَصَّلَ أوْصافَها هُنا بِهَذِهِ الآيَةِ وفي سُورَةِ الدُّخانِ بِقَوْلِهِ: ”﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾ [الدخان: ٤٣] ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٤] ﴿كالمُهْلِ يَغْلِي في البُطُونِ﴾ [الدخان: ٤٥] ﴿كَغَلْيِ الحَمِيمِ﴾ [الدخان: ٤٦] .“وقَدْ سَمّاها القُرْآنُ بِهَذِهِ الإضافَةِ كَأنَّها مُشْتَقَّةٌ مِنَ الزُّقْمَةِ بِضَمِّ الزّاءِ وسُكُونِ القافِ وهو اسْمُ الطّاعُونِ، وقالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَمْ يَكُنِ الزَّقُّومُ اشْتِقاقًا مِنَ التَّزَقُّمِ وهو الإفْراطُ في الأكْلِ حَتّى يَكْرَهَهُ. وهو يُرِيدُ الرَّدَّ عَلى مَن قالَ: إنَّها مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّزَقُّمِ وهو البَلْعُ عَلى جَهْدٍ لِكَراهَةِ الشَّيْءِ.
واسْتَأْنَفَ وصْفَها بِأنَّ اللَّهَ جَعَلَها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ، أيْ: عَذابًا مِثْلَ ما في قَوْلِهِ ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [البروج: ١٠]، أيْ عَذَّبُوهم بِأُخْدُودِ النّارِ.
وفُسِّرَتِ الفِتْنَةُ أيْضًا بِأنَّ خَبَرَ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ كانَ فِتْنَةً لِلْمُشْرِكِينَ إذْ أغْراهم بِالتَّكْذِيبِ والتَّهَكُّمِ، فَيَكُونُ مَعْنى ”جَعَلْناها“ جَعَلْنا ذِكْرَها وخَبَرَها، أيْ لَمّا نَزَلَتْ آيَةُ سُورَةِ الواقِعَةِ، أيْ جَعْلَنا ذِكْرَها مُثِيرًا لِفِتْنَتِهِمْ بِالتَّكْذِيبِ والتَّهَكُّمِ دُونَ تَفَهُّمٍ، وذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ ﴿وما جَعَلْنا أصْحابَ النّارِ إلّا مَلائِكَةً وما جَعَلْنا عِدَّتَهم إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المدثر: ٣١]، فَإنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى في وصْفِ جَهَنَّمَ ﴿عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ [المدثر: ٣٠] قالَ أبُو جَهْلٍ لِقُرَيْشٍ: ثَكِلَتْكم أُمَّهاتُكم، إنَّ ابْنَ أبِي كَبْشَةَ يُخْبِرُكم أنَّ خَزَنَةَ النّارِ تِسْعَةَ عَشَرَ وأنْتُمُ الدُّهْمُ، أيَعْجَزُ كُلُّ عَشَرَةٍ مِنكم أنْ يَبْطِشُوا بِرَجُلٍ مِنهم (أيْ مِن خَزَنَةِ النّارِ) . فَقالَ أبُو الأشَدِّ الجُمْجُمِيُّ: أنا أكْفِيكم سَبْعَةَ عَشَرَ فاكْفُونِي أنْتُمُ اثْنَيْنِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى ”﴿وما جَعَلْنا أصْحابَ النّارِ إلّا مَلائِكَةً﴾ [المدثر: ٣١] (أيْ فَلَيْسَ الواحِدُ مِنهم كَواحِدٍ مِنَ النّاسِ) ﴿وما جَعَلْنا عِدَّتَهم إلّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المدثر: ٣١]“ .
واسْتَأْنَفَ لِوَصْفِها اسْتِئْنافًا ثانِيًا مَكَرُوا فِيهِ كَلِمَةَ ”إنَّها“ لِلتَّهْوِيلِ. ومَعْنى ”تَخْرُجُ“ تَنْبُتُ كَما قالَ تَعالى ﴿والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ٥٨] . ومِن عَجِيبِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى أنْ جَعَلَ مِنَ النّارِ شَجَرَةً وهي نارِيَّةٌ لا مَحالَةَ. صَوَّرَ اللَّهُ في النّارِ شَجَرَةً مِنَ النّارِ، وتَقْرِيبُ ذَلِكَ ما يُصَوَّرُ في الشَّمارِيخِ النّارِيَّةِ مِن صُوَرٍ ذاتِ ألْوانٍ كالنَّخِيلِ ونَحْوِهُ.
صفحة ١٢٤
وجَعَلَ لَها طَلْعًا، أيْ: ثَمَرًا، وأطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الطَّلْعِ عَلى وجْهِ الِاسْتِعارَةِ تَشْبِيهًا لَهُ بِطَلْعِ النَّخْلَةِ لِأنَّ اسْمَ الطَّلْعِ خاصٌّ بِالنَّخِيلِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَنِ السُّدِّيِّ ومُجاهِدٍ قالَ الكُفّارُ: كَيْفَ يُخْبِرُ مُحَمَّدٌ عَنِ النّارِ أنَّها تُنْبِتُ الأشْجارَ، وهي تَأْكُلُها وتُذْهِبُها، فَقَوْلُهم هَذا ونَحْوُهُ مِنَ الفِتْنَةِ لِأنَّهُ يَزِيدُهم كُفْرًا وتَكْذِيبًا.و”﴿رُءُوسُ الشَّياطِينِ﴾“ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مُرادًا بِها رُءُوسَ شَياطِينِ الجِنِّ جَمْعِ شَيْطانٍ بِالمَعْنى المَشْهُورِ، ورُءُوسُ هَذِهِ الشَّياطِينِ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ لَهم، فالتَّشْبِيهُ بِها حَوالَةٌ عَلى ما تُصَوِّرُ لَهُمُ المُخَيِّلَةُ، وطَلْعُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَوُصِفَ لِلنّاسِ فَظِيعًا بَشِعًا، وشُبِّهَتْ بَشاعَتُهُ بِبَشاعَةِ رُءُوسِ الشَّياطِينِ، وهَذا التَّشْبِيهُ مِن تَشْبِيهِ المَعْقُولِ بِالمَعْقُولِ كَتَشْبِيهِ الإيمانِ بِالحَياةِ في قَوْلِهِ تَعالى ”لِتُنْذَرَ مَن كانَ حَيًّا“، والمَقْصُودُ مِنهُ هُنا تَقْرِيبُ حالِ المُشَبَّهِ فَلا يَمْتَنِعُ كَوْنُ المُشَبَّهِ بِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ ولا كَوْنُ المُشَبَّهِ كَذَلِكَ.
ونَظِيرُهُ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كَأنْيابِ أغْوالِ
وقِيلَ: أُرِيدَ بِرُءُوسِ الشَّياطِينِ ثَمَرُ الأسْتَنِ، والأسْتَنُ (بِفَتْحِ الهَمْزَةِ وسُكُونِ السِّينِ وفَتْحِ التّاءِ) شَجَرٌ في بادِيَةِ اليَمَنِ يُشْبِهُ شُخُوصَ النّاسِ ويُسَمّى ثَمَرُهُ رُءُوسَ الشَّياطِينِ، وإنَّما سَمَّوْهُ كَذَلِكَ لِبَشاعَةِ مَرْآهِ ثُمَّ صارَ مَعْرُوفًا، فَشُبِّهَ بِهِ في الآيَةِ. وقِيلَ الشَّياطِينُ: جَمْعُ شَيْطانٍ وهو مِنَ الحَيّاتِ ما لِرُءُوسِهِ أعْرافٌ، قالَ الرّاجِزُ يُشَبِّهُ امْرَأتَهُ بِحَيَّةٍ مِنها:عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُ ∗∗∗ كَمَثَلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ
الحَماطُ: جَمْعُ حَماطَةَ بِفَتْحِ الحاءِ: شَجَرٌ تَكْثُرُ فِيهِ الحَيّاتُ، والعَنْجَرِدُ بِكَسْرِ الرّاءِ: المَرْأةُ السَّلِيطَةُ.وهَذِهِ الصِّفاتُ الَّتِي وُصِفَتْ بِها شَجَرَةُ الزَّقُّومِ بالِغَةٌ حَدًّا عَظِيمًا مِنَ الذَّمِّ، وذَلِكَ الذَّمُّ هو الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالمَلْعُونَةِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿والشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرْآنِ﴾ [الإسراء: ٦٠] في سُورَةِ الإسْراءِ، وكَذَلِكَ في آيَةِ ”﴿إنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ﴾ [الدخان: ٤٣] ﴿طَعامُ الأثِيمِ﴾ [الدخان: ٤٤] ﴿كالمُهْلِ يَغْلِي في البُطُونِ﴾ [الدخان: ٤٥] ﴿كَغَلْيِ الحَمِيمِ﴾ [الدخان: ٤٦]“ في سُورَةِ الدُّخانِ.
صفحة ١٢٥
وقَدْ أُنْذِرُوا بِأنَّهم آكِلُونَ مِنها إنْذارًا مُؤَكَّدًا، أيْ: آكِلُونَ مِن ثَمَرِها وهو ذَلِكَ الطَّلْعُ. وضَمِيرُ ”مِنها“ لِلشَّجَرَةِ جَرى عَلى الشّائِعِ مِن قَوْلِ النّاسِ: أكَلْتُ مِنَ النَّخْلَةِ، أيْ مِن ثَمَرِها.والمَعْنى: أنَّهم آكِلُونَ مِنها كُرْهًا وذَلِكَ مِنَ العَذابِ، وإذا كانَ المَأْكُولُ كَرِيهًا يَزِيدُهُ كَراهَةً سُوءُ مَنظَرِهِ، كَما أنَّ المُشْتَهى إذا كانَ حَسَنَ المَنظَرِ كانَ الإقْبالُ عَلَيْهِ بِشَرَهٍ لِظُهُورِ الفَرْقِ بَيْنَ تَناوُلِ تُفّاحَةٍ صَفْراءَ وتَناوُلِ تُفّاحَةٍ مُوَرَّدَةِ اللَّوْنِ، وكَذَلِكَ مُحَسَّناتُ الشَّرابِ، ألا تَرى إلى كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ كَيْفَ أطالَ في مُحَسَّناتِ الماءِ الَّذِي مُزِجَتْ بِهِ الخَمْرُ في قَوْلِهِ:
شُجَّتْ بِذِي شَبَمٍ مِن ماءِ مَجْنِيَةٍ ∗∗∗ صافٍ بِأبْطَحَ أضْحى وهو مَشْمُولُ
تَنْفِي الرِّياحُ القَذى عَنْهُ وأفْرَطُهُ ∗∗∗ مِن صَوْبِ سارِيَةٍ بَيْضٌ يَعالِيلُ
ومَلْءُ البُطُونِ كِنايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ ما يَأْكُلُونَ مِنها عَلى كَراهَتِها.وإسْنادُ الأكْلِ ومَلْءِ البُطُونِ إلَيْهِمْ إسْنادٌ حَقِيقِيٌّ وإنْ كانُوا مُكْرَهِينَ عَلى ذَلِكَ الأكْلِ والمَلْءِ.
والفاءُ في قَوْلِهِ ”فَمالِئُونَ“ فاءُ التَّفْرِيعِ، وفِيها مَعْنى التَّعْقِيبِ، أيْ لا يَلْبَثُونَ أنْ تَمْتَلِئَ بُطُونُهم مِن سُرْعَةِ الِالتِقامِ، وذَلِكَ تَصْوِيرٌ لِكَراهَتِها فَإنَّ الطَّعامَ الكَرِيهَ كالدَّواءِ إذا تَناوَلَهُ آكِلُهُ أسْرَعَ بِبَلْعِهِ وأعْظَمَ لَقْمَهُ لِئَلّا يَسْتَقِرَّ طَعْمُهُ عَلى آلَةِ الذَّوْقِ.
و(ثُمَّ) في قَوْلِهِ ”﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾“ لِلتَّراخِي الرُّتَبِيِّ لِأنَّها عَطَفَتْ جُمْلَةً، ولَيْسَ لِلتَّراخِي في الإخْبارِ مَعْنًى إلّا إفادَةَ أنَّ ما بَعْدَ حَرْفِ التَّراخِي أهَمُّ أوْ أعْجَبُ مِمّا قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنِ السّامِعُ يَرْقُبُهُ، فَهو أعْلى رُتْبَةً بِاعْتِبارِ أنَّهُ زِيادَةٌ في العَذابِ عَلى الَّذِي سَبَقَهُ فَوَقْعُهُ أشَدُّ مِنهُ، وقَدْ أشْعَرَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ ”عَلَيْها“، أيْ بَعْدَها أيْ بَعْدَ أكْلِهِمْ مِنها.
والشَّوْبُ: أصْلُهُ مَصْدَرٌ، شابَ الشَّيءَ بِالشَّيءِ إذا خَلَطَهُ بِهِ، ويُطْلَقُ عَلى الشَّيءِ المَشُوبِ بِهِ إطْلاقًا لِلْمَصْدَرِ عَلى المَفْعُولِ كالخَلْقِ عَلى المَخْلُوقِ. وكِلا المَعْنَيَيْنِ مُحْتَمَلٌ هُنا.
صفحة ١٢٦
وضَمِيرُ ”عَلَيْها“ عائِدٌ إلى ”﴿شَجَرَةُ الزَّقُّومِ﴾“ بِتَأْوِيلِ ثَمَرِها.و(عَلى) بِمَعْنى (مَعَ)، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعْلاءِ لِأنَّ الحَمِيمَ يَشْرَبُونَهُ بَعْدَ الأكْلِ فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ في الأمْعاءِ.
والحَمِيمُ: القَيْحُ السّائِلُ مِنَ الدُّمَّلِ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى ”﴿لَهم شَرابٌ مِن حَمِيمٍ﴾ [الأنعام: ٧٠]“ في سُورَةِ الأنْعامِ.
والقَوْلُ في عَطْفِ ”﴿ثُمَّ إنَّ مَرْجِعَهم لَإلى الجَحِيمِ﴾“ كالقَوْلِ في عَطْفِ ”﴿ثُمَّ إنَّ لَهم عَلَيْها لَشَوْبًا مِن حَمِيمٍ﴾“ .
والمَرْجِعُ: مَكانُ الرُّجُوعِ، أيِ المَكانِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْهِ الخارِجُ مِنهُ بَعْدَ أنْ يُفارِقَهُ. وقَدْ يُسْتَعارُ لِلِانْتِقالِ مِن حالَةٍ طارِئَةٍ إلى حالَةٍ أصْلِيَّةٍ تَشْبِيهًا بِمُغادَرَةِ المَكانِ ثُمَّ العُودُ إلَيْهِ، كَقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ في كَلامِهِ مَعَ هُنَيْئٍ صاحِبِ الحِمى: ”فَإنَّهُما إنْ تَهْلَكْ ماشِيَتُهُما يَرْجِعانِ إلى نَخْلٍ وزَرْعٍ“، يَعْنِي عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ وعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، فَإنَّهُ إنَّما عَنى أنَّهُما يَنْتَقِلانِ مِنَ الِانْتِفاعِ بِالماشِيَةِ إلى الِانْتِفاعِ بِالنَّخْلِ والزَّرْعِ، وكَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُفَسَّرَ الرُّجُوعُ في الآيَةِ؛ لِأنَّ المُشْرِكِينَ حِينَ يَطْعَمُونَ مِن شَجَرَةِ الزَّقُّومِ ويَشْرَبُونَ الحَمِيمَ لَمْ يُفارِقُوا الجَحِيمَ، فَأُرِيدَ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ عَذابَ الأكْلِ مِنَ الزَّقُّومِ والشَّرابِ مِنَ الحَمِيمِ زِيادَةٌ عَلى عَذابِ الجَحِيمِ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ ”﴿إنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أصْلِ الجَحِيمِ﴾“ فَلَيْسَ ثَمَّةَ مُغادَرَةٍ لِلْجَحِيمِ حَتّى يَكُونَ الرُّجُوعُ حَقِيقَةً، مِثْلُهُ «قَوْلُ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ رُجُوعِهِ مِن إحْدى مَغازِيهِ: رَجَعْنا مِنَ الجِهادِ الأصْغَرِ إلى الجِهادِ الأكْبَرِ» يُرِيدُ مُجاهَدَةَ النَّفْسِ، فَإنَّهُ لَمْ يَعْنِ أنَّهم حِينَ اشْتِغالِهِمْ بِالجِهادِ قَدْ تَرَكُوا مُجاهَدَةَ أنْفُسِهِمْ، وإنَّما عَنى أنَّهم كانُوا في جِهادٍ زائِدٍ فَصارُوا إلى الجِهادِ السّابِقِ.