Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿إنَّهم ألْفَوْا آباءَهم ضالِّينَ﴾ ﴿فَهم عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾
تَعْلِيلٌ لِما جازاهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ العَذابِ وإبْداءٌ لِلْمُناسَبَةِ بَيْنَهُ وبَيْنَ جُرْمِهِمْ، فَإنَّ جُرْمَهم كانَ تَلَقِّيًا لِما وجَدُوا عَلَيْهِ آباءَهم مِنَ الشِّرْكِ وشُعَبِهِ بِدُونِ نَظَرٍ ولا اخْتِيارٍ لِما
صفحة ١٢٧
يَخْتارُهُ العاقِلُ، فَكانَ مِن جَزائِهِمْ عَلى ذَلِكَ أنَّهم يُطْعَمُونَ طَعامًا مُؤْلِمًا ويُسْقَوْنَ شَرابًا قَذِرًا بِدُونِ اخْتِيارٍ كَما تَلَقَّوْا دِينَ آبائِهِمْ تَقْلِيدًا واعْتِباطًا.فَمَوْقِعُ (إنَّ) مَوْقِعُ فاءِ السَّبَبِيَّةِ، ومَعْناها مَعْنى لامِ التَّعْلِيلِ، وهي لِذَلِكَ مُفِيدَةٌ رَبْطَ الجُمْلَةِ بِالَّتِي قَبْلَها كَما تَرْبُطُها الفاءُ ولامُ التَّعْلِيلِ كَما تَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ.
والمُرادُ: المُشْرِكُونَ مِن أهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ قالُوا: ”﴿إنّا وجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢]“ .
وفِي قَوْلِهِ ﴿ألْفَوْا آباءَهم ضالِّينَ﴾ إيماءً إلى أنَّ ضَلالَهم لا يَخْفى عَنِ النّاظِرِ فِيهِ لَوْ تُرِكُوا عَلى الفِطْرَةِ العَقْلِيَّةِ ولَمْ يُغَشُّوها بِغِشاوَةِ العِنادِ.
والفاءُ الدّاخِلَةُ عَلى جُمْلَةِ ”﴿فَهم عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾“ فاءُ العَطْفِ لِلتَّفْرِيعِ والتَّسَبُّبِ، أيْ مُتَفَرِّعٌ عَلى إلْفائِهِمْ آبائِهِمْ ضالِّينَ أنِ اقْتَفَوْا آثارَهم تَقْلِيدًا بِلا تَأمُّلٍ، وهَذا ذَمٌّ لَهم.
والآثارُ: ما تَتْرُكُهُ خُطى الماشِينَ مِن مَوْطِئِ الأقْدامِ فَيَعْلَمُ السّائِرُ بُعْدَهم أنَّ مَواقِعَها مَسْلُوكَةٌ مُوَصِّلَةٌ إلى مَعْمُورٍ، فَمَعْنى (عَلى) الِاسْتِعْلاءُ التَّقْرِيبِيُّ، وهو مَعْنى المَعِيَّةِ لِأنَّهم يَسِيرُونَ مَعَها ولا يَلْزَمُ أنْ يَكُونُوا مُعْتَلِينَ عَلَيْها.
و”يُهْرَعُونَ“ بِفَتْحِ الرّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ مُضارِعُ: أهْرَعَهُ، إذا جَعَلَهُ هارِعا، أيْ حَمَلَهُ عَلى الهَرَعِ وهو الإسْراعُ المُفْرِطُ في السَّيْرِ، عَبَّرَ بِهِ عَنِ المُتابَعَةِ دُونَ تَأمُّلٍ، فَشَبَّهَ قَبُولَ الِاعْتِقادِ بِدُونِ تَأمُّلٍ بِمُتابَعَةِ السّائِرِ مُتابَعَةً سَرِيعَةً لِقَصْدِ الِالتِحاقِ بِهِ.
وأُسْنِدَ إلى المَجْهُولِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ ذَلِكَ ناشِئٌ عَنْ تَلْقِينِ زُعَمائِهِمْ وتَعالِيمِ المُضَلِّلِينَ، فَكَأنَّهم مَدْفُوعُونَ إلى الهَرَعِ في آثارِ آبائِهِمْ، فَيَحْصُلُ مِن قَوْلِهِ ”﴿يُهْرَعُونَ﴾“ تَشْبِيهُ حالِ الكَفَرَةِ بِحالِ مَن يُزْجى ويُدْفَعُ إلى السَّيْرِ وهو لا يَعْلَمُ إلى أيْنَ يُسارُ بِهِ.