Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ﴾ ﴿إذْ أبَقَ إلى الفُلْكِ المَشْحُونِ﴾ ﴿فَساهَمَ فَكانَ مِنَ المُدْحَضِينَ﴾ ﴿فالتَقَمَهُ الحُوتُ وهْوَ مُلِيمٌ﴾ ﴿فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحِينَ﴾ ﴿لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ يُونُسُ هو ابْنُ مَتّى، واسْمُهُ بِالعِبْرانِيَّةِ (يُونانُ بْنُ آمِتايَ، وهو مِن أهْلِ فِلَسْطِينَ، وهو مِن أنْبِياءِ إسْرائِيلَ أرْسَلَهُ اللَّهُ إلى أهْلِ ( نِينَوى) وكانَتْ نِينَوى مَدِينَةً عَظِيمَةً مِن بِلادِ الآشُورِيِّينَ، وكانَ بِها أسْرى بَنِي إسْرائِيلَ الَّذِينَ بِأيْدِي الآشُورِيِّينَ وكانُوا زُهاءَ مِائَةِ ألْفٍ بَقَوْا بَعْدَ (دانْيالَ)، وكانَ يُونُسُ في أوَّلِ القَرْنِ الثّامِنِ قَبْلَ المَسِيحِ، وقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وذِكْرُ قَوْمِهِ في الأنْعامِ وسُورَةِ يُونُسَ.
و(إذْ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ ”المُرْسَلِينَ“، وإنَّما وُقِّتَتْ رِسالَتُهُ بِالزَّمَنِ الَّذِي أبَقَ فِيهِ إلى الفُلْكِ لِأنَّ فِعْلَتَهُ تِلْكَ كانَتْ عِنْدَما أمَرَهُ اللَّهُ بِالذَّهابِ إلى نِينَوى لِإبْلاغِ بَنِي إسْرائِيلَ أنَّ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِمْ لِأنَّهُمُ انْحَرَفُوا عَنْ شَرِيعَتِهِمْ.
فَحِينَما أوْحى اللَّهُ إلَيْهِ بِذَلِكَ عَظُمَ عَلَيْهِ هَذا الأمْرُ فَخَرَجَ مِن بَلَدِهِ وقَصَدَ مَرْسى (يافا) لِيَذْهَبَ إلى مَدِينَةِ (تَرْشِيشَ) وهي طَرْطُوسِيَّةٌ عَلى شاطِئِ بِلادِ الشّامِ، فَهالَ
صفحة ١٧٣
البَحْرُ حَتّى اضْطَرَّ أهْلُ السَّفِينَةِ إلى تَخْفِيفِ عَدَدِ رُكّابِها فاسْتَهَمُوا عَلى مَن يَطْرَحُونَهُ مِن سَفِينَتِهِمْ في البَحْرِ، فَكانَ يُونُسُ مِمَّنْ خَرَجَ سَهْمُ إلْقائِهِ في البَحْرِ فالتَقَمَهُ حُوتٌ عَظِيمٌ، وجَرَتْ قِصَّتُهُ المَذْكُورَةُ في سُورَةِ الأنْبِياءِ، فَلَمّا كانَ هُرُوبُهُ مِن كُلْفَةِ الرِّسالَةِ مُقارِنًا لِإرْسالِهِ وُقِّتَ بِكَوْنِهِ مِنَ المُرْسَلِينَ.و”أبَقَ“ مَصْدَرُهُ إباقٌ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وتَخْفِيفِ الباءِ وهو فِرارُ العَبْدِ مِن مالِكِهِ. وفِعْلُهُ كَضَرَبَ وسَمِعَ.
والمُرادُ هُنا: أنَّ يُونُسَ هَرَبَ مِنَ البَلَدِ الَّذِي أُوحِيَ إلَيْهِ فِيهِ قاصِدًا بَلَدًا آخَرَ تَخَلُّصًا مِن إبْلاغِ رِسالَةِ اللَّهِ إلى أهْلِ نِينَوى، ولَعَلَّهُ خافَ بَأْسَهم واتَّهَمَ صَبْرَ نَفْسِهِ عَلى أذاهُمُ المُتَوَقَّعِ لِأنَّهم كانُوا مِن بَنِي إسْرائِيلَ في حِمايَةِ الآشُورِيِّينَ.
فَفِعْلُ أبَقَ هُنا اسْتِعارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، شَبَّهَتْ حالَةَ خُرُوجِهِ مِنَ البَلَدِ الَّذِي كَلَّفَهُ رَبُّهُ فِيهِ بِالرِّسالَةِ تَباعُدًا مِن كُلْفَةِ رَبِّهِ بِإباقِ العَبْدِ مِن سَيِّدِهِ الَّذِي كَلَّفَهُ عَمَلًا.
والفُلْكُ المَشْحُونُ: المَمْلُوءُ بِالرّاكِبِينَ، وتَقَدَّمَ مَعْناهُ في قِصَّةِ نُوحٍ.
وساهَمَ: قارَعَ. وأصْلُهُ مُشْتَقٌّ مِنِ اسْمِ السَّهْمِ لِأنَّهم كانُوا يَقْتَرِعُونَ بِالسِّهامِ وهي أعْوادُ النِّبالِ وتُسَمّى الأزْلامَ.
وتَفْرِيعُ ”فَساهَمَ“ يُؤْذِنُ بِجُمَلٍ مَحْذُوفَةٍ تَقْدِيرُها: فَهالَ البَحْرُ وخافَ الرّاكِبُونَ الغَرَقَ فَساهَمَ. وهَذا نَظِيرُ التَّفْرِيعِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿أنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ البَحْرَ فانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣]، والمَذْكُورُ في كِتابِ يُونانَ مِن كُتُبِ اليَهُودِ: أنَّ بَعْضَهم قالَ لِبَعْضٍ: هَلُمَّ نُلْقِ قُرْعَةً لِنَعْرِفَ مَن هو سَبَبُ هَذِهِ البَلِيَّةِ فَألْقَوْا قُرْعَةً فَوَقَعَتْ عَلى يُونُسَ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ووَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أنَّ القُرْعَةَ خَرَجَتْ ثَلاثَ مَرّاتٍ عَلى يُونُسَ.
وسُنَّةُ الِاقْتِراعِ في أسْفارِ البَحْرِ كانَتْ مُتَّبَعَةً عِنْدَ الأقْدَمِينَ إذا ثَقُلَتِ السَّفِينَةُ بِوَفْرَةِ الرّاكِبِينَ أوْ كَثْرَةِ المَتاعِ. وفِيها قِصَّةُ الحِيلَةِ الَّتِي ذَكَرَها الصَّفَدَيُّ في شَرْحِ الطُّغْرائِيَّةِ: أنَّ بَعْضَ الأصْحابِ يَدَّعِي أنَّ مَرْكَبًا فِيهِ مُسْلِمُونَ وكُفّارٌ
صفحة ١٧٤
أشْرَفَ عَلى الغَرَقِ وأرادُوا أنْ يَرْمُوا بَعْضَهم إلى البَحْرِ لِيَخِفَّ المَرْكَبُ فَيَنْجُوَ بَعْضُهم ويَسْلَمَ المَرْكَبُ فَقالُوا: نَقْتَرِعُ فَمَن وقَعَتِ القُرْعَةُ عَلَيْهِ ألْقَيْناهُ. فَنَظَرَ رَئِيسُ المَرْكَبِ إلَيْهِمْ وهم جالِسُونَ عَلى هَذِهِ الصُّورَةِ فَقالَ: لَيْسَ هَذا حُكْمًا مُرْضِيًا، وإنَّما نَعُدُّ الجَماعَةَ فَمَن كانَ تاسِعًا ألْقَيْناهُ فارْتَضَوْا بِذَلِكَ، فَلَمْ يَزَلْ يَعُدُّهم ويُلْقِي التّاسِعَ فالتّاسِعَ إلى أنْ ألْقى الكُفّارَ وسَلِمَ المُسْلِمُونَ، وهَذِهِ صُورَةُ ذَلِكَ (وصَوَّرَ دائِرَةً فِيها عَلاماتٌ حُمْرٌ وعَلاماتٌ سُودٌ، فالحُمْرُ لِلْمُسْلِمِينَ ومِنهُمُ ابْتِداءُ العَدِّ وهو إلى جِهَةِ الشِّمالِ) قالَ: ولَقَدْ ذَكَرْتُها لِنُورِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ إسْماعِيلَ الصَّفَدِيِّ فَأعْجَبَتْهُ وقالَ: كَيْفَ أصْنَعُ بِحِفْظِ هَذا التَّرْتِيبِ ؟ فَقُلْتُ لَهُ: الضّابِطُ في هَذا البَيْتِ تَجْعَلُ حُرُوفَهَ المُعْجَمَةَ لِلْكُفّارِ والمُهْمَلَةَ لِلْمُسْلِمِينَ وهو:اللَّهُ يَقْضِي بِكُلِّ يُسْرٍ ويَرْزَقُ الضَّيْفَ حَيْثُ كانا
اهـ وكانَتِ القُرْعَةُ طَرِيقًا مِن طُرُقِ القَضاءِ عِنْدَ التِباسِ الحَقِّ أوْ عِنْدَ اسْتِواءِ عَدَدٍ في اسْتِحْقاقِ شَيْءٍ. وقَدْ تَقَدَّمَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهم أيُّهم يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ [آل عمران: ٤٤]، وهي طَرِيقَةٌ إقْناعِيَّةٌ كانَ البَشَرُ يَصِيرُونَ إلَيْها لِفَصْلِ التَّنازُعِ، يَزْعُمُونَ أنَّها دالَّةٌ عَلى إرادَةِ اللَّهِ تَعالى عِنْدَ الأُمَمِ المُتَدَيِّنَةِ، أوْ إرادَةِ الأصْنامِ عِنْدَ الأُمَمِ الَّتِي تَعْبُدُ الأصْنامَ تَمْيِيزَ صاحِبِ الحَقِّ عِنْدَ التَّنازُعِ.ولَعَلَّها مِن مُخْتَرَعاتِ الكَهَنَةِ وسَدَنَةِ الأصْنامِ. فَلَمّا شاعَتْ في البَشَرِ أقَرَّتْها الشَّرائِعُ لِما فِيها مِن قَطْعِ الخِصامِ والقِتالِ، ولَكِنَّ الشَّرائِعَ الحَقَّ لَمّا أقَرَّتْها اقْتَصَدَتْ في اسْتِعْمالِها بِحَيْثُ لا يُصارُ إلَيْها إلّا عِنْدَ التَّساوِي في الحَقِّ وفُقْدانِ المُرَجِّحِ الَّذِي هو مُؤَثِّرٌ في نَوْعِ ما يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَهي مِن بَقايا الأوْهامِ. وقَدِ اقْتَصَرَتِ الشَّرِيعَةُ الإسْلامِيَّةُ في اعْتِبارِها عَلى أقَلِّ ما تُعْتَبَرُ فِيهِ، مِثْلَ تَعْيِينِ أحَدِ الأقْسامِ المُتَساوِيَةِ لِأحَدِ المُتَقاسِمِينَ إذْ تَشاحُّوا في أحَدِها. قالَ ابْنُ رُشْدٍ في المُقَدِّماتِ: ”والقُرْعَةُ إنَّما جُعِلَتْ تَطْيِيبًا لِأنْفُسِ المُتَقاسِمِينَ، وأصْلُها قائِمٌ في كِتابِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعالى في قِصَّةِ يُونُسَ ﴿فَساهَمَ فَكانَ مِنَ المُدْحَضِينَ﴾“ .
وعِنْدِي: أنْ لَيْسَ في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى مَشْرُوعِيَّةِ القُرْعَةِ في الفَصْلِ بَيْنَ المُتَساوِيَيْنِ لِأنَّها لَمْ تَحْكِ شَرْعًا صَحِيحًا كانَ قَبْلَ الإسْلامِ إذْ لا يُعْرَفُ دِينُ أهْلِ السَّفِينَةِ الَّذِينَ أجْرَوُا الِاسْتِهامَ عَلى يُونُسَ، عَلى أنَّ ما أُجْرِيَ الِاسْتِهامُ عَلَيْهِ قَدْ أجْمَعَ المُسْلِمُونَ
صفحة ١٧٥
عَلى أنَّهُ لا يَجْرِي في مِثْلِهِ اسْتِهامٌ. فَلَوْ صَحَّ أنَّ ذَلِكَ كانَ شَرْعًا لِمَن قَبِلْنا فَقَدْ نَسَخَهُ إجْماعُ عُلَماءِ أُمَّتِنا.قالَ ابْنُ العَرَبِيِّ: الِاقْتِراعُ عَلى إلْقاءِ الآدَمِيِّ في البَحْرِ لا يَجُوزُ، فَكَيْفَ المُسْلِمُ ؟ فَإنَّهُ لا يَجُوزُ فِيمَن كانَ عاصِيًا أنْ يُقْتَلَ ولا يُرْمى بِهِ في النّارِ والبَحْرِ. وإنَّما تَجْرِي عَلَيْهِ الحُدُودُ والتَّعْزِيزُ عَلى مِقْدارِ جِنايَتِهِ. وظَنَّ بَعْضُ النّاسِ أنَّ البَحْرَ إذا هالَ عَلى القَوْمِ فاضْطَرُّوا إلى تَخْفِيفِ السَّفِينَةِ أنَّ القُرْعَةَ تُضْرَبُ عَلَيْهِمْ فَيُطْرَحُ بَعْضُهم تَخْفِيفًا، وهَذا فاسِدٌ، فَلا تُخَفَّفُ بِرَمْيِ بَعْضِ الرِّجالِ وإنَّما ذَلِكَ في الأمْوالِ، وإنَّما يَصْبِرُونَ عَلى قَضاءِ اللَّهِ.
وكانَتْ في شَرِيعَةِ مَن قَبْلَنا القُرْعَةُ جائِزَةٌ في كُلِّ شَيْءٍ عَلى العُمُومِ. وجاءَتِ القُرْعَةُ في شَرْعِنا عَلى الخُصُوصِ في ثَلاثَةِ مَواطِنَ:
الأوَّلُ: «كانَ النَّبِيءُ ﷺ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها مَعَهُ» .
الثّانِي: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ رُفِعَ إلَيْهِ أنَّ رَجُلًا أعْتَقَ في مَرَضِ مَوْتِهِ سِتَّةَ أعْبُدٍ لا مالَ لَهُ غَيْرُهم، فَأقْرَعَ بَيْنَ اثْنَيْنِ (وهُما مُعادِلُ الثُّلُثِ) وأرَقَّ أرْبَعَةً» .
الثّالِثُ: «أنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَما إلَيْهِ في مَوارِيثَ دُرِسَتْ، فَقالَ: اذْهَبا وتَوَخَّيا الحَقَّ واسْتَهِما ولْيُحْلِلْ كُلُّ واحِدٍ مِنكُما صاحِبَهُ» .
واخْتَلَفَ عُلَماؤُنا في القُرْعَةِ بَيْنَ الزَّوْجاتِ عِنْدَ الغَزْوِ عَلى قَوْلَيْنِ: الصَّحِيحُ مِنهُما الِاقْتِراعُ، وبِهِ قالَ أكْثَرُ فُقَهاءِ الأمْصارِ، وذَلِكَ لِأنَّ السَّفَرَ بِجَمِيعِهِنَّ لا يُمْكِنُ، واخْتِيارُ واحِدَةٍ مِنهُنَّ إيثارٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلّا القُرْعَةُ.
وقالَ القَرافِيُّ في الفِرَقِ ٢٤٠: مَتى تَعَيَّنَتِ المَصْلَحَةُ أوِ الحَقُّ في جِهَةٍ لا يَجُوزُ الِاقْتِراعُ لِأنَّ في القُرْعَةِ ضَياعَ الحَقِّ، ومَتى تَساوَتِ الحُقُوقُ أوِ المَصالِحُ فَهَذا مَوْضِعُ القُرْعَةِ دَفْعا لِلضَّغائِنِ، فَهي مَشْرُوعَةٌ بَيْنَ الخُلَفاءِ إذا اسْتَوَتْ فِيهِمُ الأهْلِيَّةُ لِلْوِلايَةِ، والأيِمَّةِ، والمُؤَذِّنِينَ، إذا اسْتَوَوْا، والتَّقَدُّمُ لِلصَّفِّ الأوَّلِ عِنْدَ الِازْدِحامِ، وتَغْسِيلُ الأمْواتِ عِنْدَ تَزاحُمِ الأوْلِياءِ وتُساوِيهِمْ، وبَيْنَ الحاضِناتِ، والزَّوْجاتِ في السَّفَرِ
صفحة ١٧٦
والقِسْمَةُ، والخُصُومُ عِنْدَ الحُكّامِ، في عِتْقِ العَبِيدِ إذا أوْصى بِعِتْقِهِمْ في المَرَضِ ولَمْ يُحَمِّلَهُمُ الثُّلُثَ. وقالَهُ الشّافِعِيُّ وابْنُ حَنْبَلٍ. وقالَ أبُو حَنِيفَةَ: لا تَجُوزُ القُرْعَةُ (بَيْنَهم) . ويُعْتَقُ مِن كُلِّ واحِدٍ ثُلُثُهُ ويُسْتَسْعى في قِيمَتِهِ ووافَقَ في قِيمَةِ الأرْضِ. قالَ: والحَقُّ عِنْدِي أنَّها تَجْرِي في كُلِّ مُشْكِلٍ اهـ.قُلْتُ: وفي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ العَلاءِ الأنْصارِيَّةِ أنَّهُ لَمّا اقْتَرَعَتِ الأنْصارُ عَلى سُكْنى المُهاجِرِينَ وقَعَ في سَهْمِهِمْ عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ الحَدِيثَ.
وقالَ الجَصّاصُ: احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ بَعْضُ الأغْمارِ في إيجابِ القُرْعَةِ في العَبِيدِ يَعْتِقُهُمُ المَرِيضُ. وذَلِكَ إغْفالٌ مِنهُ لِأنَّ يُونُسَ ساهَمَ في طَرْحِهِ في البَحْرِ، وذَلِكَ لا يَجُوزُ عِنْدَ أحَدٍ مِنَ الفُقَهاءِ كَما لا تَجُوزُ القُرْعَةُ في قَتْلِ مَن خَرَجَتْ عَلَيْهِ وفي أخْذِ مالِهِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ خاصٌّ فِيهِ.
وقالَ في سُورَةِ آلِ عِمْرانَ: ”ومِنَ النّاسِ مَن يَحْتَجُّ بِإلْقاءِ الأقْلامِ في كَفالَةِ مَرْيَمَ عَلى جَوازِ القُرْعَةِ في العَبِيدِ يَعْتِقُهُمُ الرَّجُلُ في مَرَضِهِ ثُمَّ يَمُوتُ ولا مالَ لَهُ غَيْرُهم، ولَيْسَ هَذا (أيْ إلْقاءُ الأقْلامِ) مِن عِتْقِ العَبِيدِ في شَيْءٍ لِأنَّ الرِّضى بِكَفالَةِ الواحِدِ مِنهم مَرْيَمَ جائِزٌ في مِثْلِهِ، ولا يَجُوزُ التَّراضِي عَلى اسْتِرْقاقِ مَن حَصَلَتْ لَهُ الحُرِّيَّةُ، وقَدْ كانَ عِتْقُ المَيِّتِ نافِذًا في الجَمِيعِ فَلا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالقُرْعَةِ عَنْ أحَدٍ مِنهم إلى غَيْرِهِ كَما لا يَجُوزُ التَّراضِي عَلى نَقْلِ الحُرِّيَّةِ عَمَّنْ وقَعَتْ عَلَيْهِ.
والإدْحاضُ: جَعْلُ المَرْءِ داحِضًا، أيْ: زالِقًا غَيْرَ ثابِتِ الرِّجْلَيْنِ، وهو هُنا اسْتِعارَةٌ لِلْخُسْرانِ والمَغْلُوبِيَّةِ.
والِالتِقامُ: البَلْعُ. والحُوتُ الَّذِي التَقَمَهُ: حُوتٌ عَظِيمٌ يَبْتَلِعُ الأشْياءَ ولا يَعَضُّ بِأسْنانِهِ، ويُقالُ: إنَّهُ الحُوتُ الَّذِي يُسَمّى“ بالَيْنُ ”بِالإفْرِنْجِيَّةِ.
والمُلِيمُ: اسْمُ فاعِلٍ مِن ألامَ، إذا فَعَلَ ما يَلُومُهُ عَلَيْهِ النّاسُ لِأنَّهُ جَعَلَهم لائِمِينَ فَهو ألامَهم عَلى نَفْسِهِ.
وكانَ غَرَقُهُ في البَحْرِ المُسَمّى بَحْرَ الرُّومِ وهو الَّذِي نُسَمِّيهِ البَحْرَ الأبْيَضَ المُتَوَسِّطَ، ولَمْ يَكُنْ بِنَهْرِ دِجْلَةَ كَما غَلِطَ فِيهِ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ.
صفحة ١٧٧
وكانَ مِنَ المَسَبِّحِينَ بِقَوْلِهِ: ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧] كَما في سُورَةِ الأنْبِياءِ، فَأنْجاهُ اللَّهُ بِسَبَبِ تَسْبِيحِهِ وتَوْبَتِهِ فَقَذَفَهُ الحُوتُ مِن بَطْنِهِ إلى البَرِّ بَعْدَ أنْ مَكَثَ في جَوْفِ الحُوتِ ثَلاثَ لَيالٍ، وقِيلَ: يَوْمًا ولَيْلَةً، وقِيلَ: بِضْعَ ساعاتٍ.ومَعْنى قَوْلِهِ“ ﴿إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ " التَّأْبِيدُ بِأنْ يُمِيتَ اللَّهُ الحُوتَ حِينَ ابْتِلاعِهِ ويُبْقِيَهُما في قَعْرِ البَحْرِ، أوْ بِأنْ يُخْتَطَفَ الحُوتُ في حَجَرٍ في البَحْرِ أوْ نَحْوِهُ فَلا يَطْفُو عَلى الماءِ حَتّى يُبْعَثَ يُونُسُ يَوْمَ القِيامَةِ مِن قَعْرِ البَحْرِ.