﴿قُلِ اللَّهَ أعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ ﴿فاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِن دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٥] أمْرٌ بِأنْ يُعِيدَ التَّصْرِيحَ بِأنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ تَأْكِيدًا لِقَوْلِهِ ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١١] لِأهَمِّيَّتِهِ، وإنْ كانَ مُفادُ الجُمْلَتَيْنِ واحِدًا لِأنَّهُما مَعًا تُفِيدانِ أنَّهُ لا يَعْبُدُ إلّا اللَّهَ تَعالى بِاعْتِبارِ تَقْيِيدِ أعْبُدَ اللَّهَ الأوَّلِ بِقَيْدِ ﴿مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ [الزمر: ١١] وبِاعْتِبارِ تَقْدِيمِ المَفْعُولِ عَلى ”أعْبُدُ“ الثّانِي فَتَأكَّدَ مَعْنى التَّوْحِيدِ مَرَّتَيْنِ لِيَتَقَرَّرَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وتَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ ﴿فاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِن دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٥] وهو المَقْصُودُ.

والفاءُ في قَوْلِهِ ”فاعْبُدُوا“ إلَخْ؛ لِتَفْرِيعِ الكَلامِ الَّذِي بَعْدَها عَلى الكَلامِ قَبْلَها فَهو تَفْرِيعٌ ذِكْرِيٌّ.

والأمْرُ في قَوْلِهِ ﴿فاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِن دُونِهِ﴾ [الزمر: ١٥] مُسْتَعْمَلٌ في مَعْنى التَّخْلِيَةِ، ويُعَبَّرُ عَنْهُ بِالتَّسْوِيَةِ. والمَقْصُودُ: التَّسْوِيَةُ في ذَلِكَ عِنْدَ المُتَكَلِّمِ؛ فَتَكُونُ التَّسْوِيَةُ كِنايَةً عَنْ قِلَّةِ الِاكْتِراثِ بِفِعْلِ المُخاطَبِ، أيْ: أنَّ ذَلِكَ لا يَضُرُّنِي كَقَوْلِهِ في سُورَةِ الكَهْفِ ﴿فَمَن شاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩] أيْ: اعْبُدُوا أيَّ شَيْءٍ شِئْتُمْ عِبادَتِهِ مِن دُونِ اللَّهِ. وجُعِلَتِ الصِّلَةُ هُنا فِعْلَ المَشِيئَةِ إيماءً إلى أنَّ رائِدَهم في تَعْيِينِ مَعْبُوداتِهِمْ هو مُجَرَّدُ المَشِيئَةِ والهَوى بِلا دَلِيلٍ.