Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وإذا ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وإذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إذا هم يَسْتَبْشِرُونَ﴾ .
عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ (﴿اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ﴾ [الزمر: ٤٣]) لِإظْهارِ تَناقُضِهِمْ في أقْوالِهِمُ المُشْعِرِ بِأنَّ ما يَقُولُونَهُ أقْضِيَةٌ سُفُسْطائِيَّةٌ يَقُولُونَها لِلتَّنَصُّلِ مِن دَمَغاتِ الحُجَجِ الَّتِي جَبَهَهم بِها القُرْآنُ، فَإنَّهم يَعْتَذِرُونَ تارَةً عَلى إشْراكِهِمْ بِأنَّ شُرَكاءَهم شُفَعاءُ لَهم عِنْدَ اللَّهِ. وهَذا يَقْتَضِي أنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِأنَّ اللَّهَ هو إلَهُهم وإلَهُ شُرَكائِهِمْ، ثُمَّ
صفحة ٢٩
إذا ذَكَرَ النَّبِيءُ ﷺ أنَّ اللَّهَ واحِدٌ أوْ ذَكَرَ المُسْلِمُونَ كَلِمَةَ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ اشْمَأزَّتْ قُلُوبُهم مِنَ الِاقْتِصارِ عَلى ذِكْرِ اللَّهِ فَلا يَرْضَوْنَ بِالسُّكُوتِ عَنْ وصْفِ أصْنامِهِمْ بِالإلَهِيَّةِ وذَلِكَ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم يُسَوُّونَها بِاللَّهِ تَعالى.فَقَوْلُهُ (وحْدَهُ) لَكَ أنْ تَجْعَلَهُ حالًا مِنِ اسْمِ الجَلالَةِ ومَعْناهُ مُنْفَرِدًا. ويُقَدَّرُ في قَوْلِهِ (ذُكِرَ اللَّهُ) مَعْنى: بِوَصْفِ الإلَهِيَّةِ ويَكُونُ مَعْنى (ذُكِرَ اللَّهُ وحْدَهُ) ذُكِرَ تَفَرُّدُهُ بِالإلَهِيَّةِ. وهَذا جارٍ عَلى قَوْلِ يُونُسَ بْنِ حَبِيبٍ في (وحْدَهُ)، ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ مَصْدَرًا وهو قَوْلُ الخَلِيلِ بْنِ أحْمَدَ، أيْ هو مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلِ (ذُكِرَ) لِبَيانِ نَوْعِهِ، أيْ ذِكْرًا وحْدًا، أيْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ اسْمِ اللَّهِ أسْماءُ أصْنامِهِمْ. وإضافَةُ المَصَدَرِ إلى ضَمِيرِ الجَلالَةِ لِاشْتِهارِ المُضافِ إلَيْهِ بِهَذا الوَحْدِ. وهَذا الذِّكْرُ هو الَّذِي يَجْرِي في دَعْوَةِ النَّبِيءِ ﷺ وفي الصَّلَواتِ وتِلاوَةِ القُرْآنِ وفي مَجامِعِ المُسْلِمِينَ.
ومَعْنى (﴿وإذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾) إذا ذُكِرَتْ أصْنامُهم بِوَصْفِ الإلَهِيَّةِ وذَلِكَ حِينَ يَسْمَعُونَ أقْوالَ جَماعَةِ المُشْرِكِينَ في أحادِيثِهِمْ وإيمانِهِمْ بِاللّاتِ والعُزّى، أيْ ولَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ مَعَها فاسْتِبْشارُهم بِالِاقْتِصارِ عَلى ذِكْرِ أصْنامِهِمْ مُؤْذِنٌ بِأنَّهم يُرَجِّحُونَ جانِبَ الأصْنامِ عَلى جانِبِ اللَّهِ تَعالى. والذِّكْرُ: هو النُّطْقُ بِالِاسْمِ. والمُرادُ إذا ذَكَرَ المُسْلِمُونَ اسْمَ اللَّهِ اشْمَأزَّ المُشْرِكُونَ لِأنَّهم لَمْ يَسْمَعُوا ذِكْرَ آلِهَتِهِمْ وإذا ذَكَرَ المُشْرِكُونَ أسْماءَ أصْنامِهِمُ اسْتَبْشَرَ الَّذِينَ يُسْمَعُونَهم مِن قَوْمِهِمْ.
والتَّعْبِيرُ عَنْ آلِهَتِهِمْ بِ (﴿الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾) دُونَ لَفْظِ: شُرَكائِهِمْ أوْ شُفَعائِهِمْ، لِلْإيماءِ إلى أنَّ عِلَّةَ اسْتِبْشارِهِمْ بِذَلِكَ الذِّكْرِ هو أنَّهُ ذِكْرُ مَن هم دُونَ اللَّهِ، أيْ ذِكْرٌ مُناسِبٌ لِهَذِهِ الصِّلَةِ، أيْ هو خالٍ عَنِ اسْمِ اللَّهِ، فالمَعْنى: وإذا ذُكِرَ شُرَكاؤُهم دُونَ ذِكْرِ اللَّهِ إذا هم يَسْتَبْشِرُونَ.
والِاقْتِصارُ عَلى التَّعَرُّضِ لِهَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِأنَّهُما أظْهَرُ في سُوءِ نَوايا المُشْرِكِينَ نَحْوَ اللَّهِ تَعالى، وفي بُطْلانِ اعْتِذارِهِمْ بِأنَّهم ما يَعْبُدُونَ الأصْنامَ إلّا لِيُقَرِّبُوهم إلى اللَّهِ ويَشْفَعُوا لَهم عِنْدَهُ، فَأمّا الذِّكْرُ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وأسْماءُ آلِهَتِهِمْ كَقَوْلِهِمْ في
صفحة ٣٠
التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ إلّا شَرِيكًا هو لَكَ تَمْلِكُهُ وما مَلَكَ، فَذَلِكَ ذِكْرٌ لا مُناسَبَةَ لَهُ بِالمَقامِ.وذَكَرَ جَمْعٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ لِقَوْلِهِ إذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ أنَّهُ إشارَةٌ إلى ما يُرْوى مِن قِصَّةِ الغَرانِيقِ، ونُسِبَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ بِذَلِكَ إلى مُجاهِدٍ، وهو بَعِيدٌ عَنْ سِياقِ الآيَةِ. ومِنَ البِناءِ عَلى الأخْبارِ المَوْضُوعَةِ فَلِلَّهِ دَرُّ مَن أعْرَضُوا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ.
والِاشْمِئْزازُ: شِدَّةُ الكَراهِيَةِ والنُّفُورِ، أيْ كَرِهَتْ ذَلِكَ قُلُوبُهم ومَدارِكُهم.
والِاسْتِبْشارُ: شِدَّةُ الفَرَحِ حَتّى يَظْهَرَ أثَرُ ذَلِكَ عَلى بَشْرَةِ الوَجْهِ، وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ (وجاءَ أهْلُ المَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) في سُورَةِ الحِجْرِ.
ومُقابَلَةُ الِاشْمِئْزازِ بِالِاسْتِبْشارِ مُطابَقَةٌ كامِلَةٌ لِأنَّ الِاشْمِئْزازَ غايَةُ الكَراهِيَةِ والِاسْتِبْشارُ غايَةُ الفَرَحِ.
والتَّعْبِيرُ عَنِ المُشْرِكِينَ بِ (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) لِأنَّهم عُرِفُوا بِهَذِهِ الصِّلَةِ بَيْنَ النّاسِ مَعَ قَصْدِ إعادَةِ تَذْكِيرِهِمْ بِوُقُوعِ القِيامَةِ.
و(إذا) الأُولى و(إذا) الثّانِيَةُ ظَرْفانِ مُضَمَّنانِ مَعْنى الشَّرْطِ كَما هو الغالِبُ. و(إذا) الثّالِثَةُ لِلْمُفاجَأةِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم يُعالِجُهُمُ الِاسْتِبْشارُ حِينَئِذٍ مِن فَرْطِ حُبِّهِمْ آلِهَتَهم.
ولِذَلِكَ جِيءَ بِالمُضارِعِ في (يَسْتَبْشِرُونَ) دُونَ أنْ يُقالَ: مُسْتَبْشِرُونَ، لِإفادَةِ تَجَدُّدِ اسْتِبْشارِهِمْ.