﴿أوَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ إنَّ في ذَلِكَ لِآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿ولَكِنَّ أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٤٩] فَبَعْدَ أنْ وصَفَ أكْثَرَهم بِانْتِفاءِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وإهْمالِهِمُ النَّظَرَ في الأدِلَّةِ المُفِيدَةِ لِلْعِلْمِ وصَمِّهِمْ آذانَهم عَنِ الآياتِ الَّتِي تُذَكِّرُهم بِذَلِكَ حَتّى بَقُوا في جَهالَةٍ مُرَكَّبَةٍ وكانَ الشَّأْنُ أنْ يَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ، أيْ يُعْطِي الخَيْرَ مَن يَشاءُ، ويَمْنَعُ مَن يَشاءُ.

فالِاسْتِفْهامُ إنْكارٌ عَلَيْهِمْ في انْتِفاءِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ لِأنَّهم تَسَبَّبُوا في انْتِفاءِ العِلْمِ، فالإنْكارُ عَلَيْهِمْ يَتَضَمَّنُ تَوْبِيخًا.

واقْتَصَرَ في الإنْكارِ عَلى إنْكارِ انْتِفاءِ العِلْمِ بِأنْ بَسْطَ الرِّزْقِ وقَدْرَهُ مِن فِعْلِ اللَّهِ

صفحة ٣٩

تَعالى لِأنَّهُ أدْنى لِمُشاهَدَتِهِمْ أحْوالَ قَوْمِهِمْ فَكَمْ مِن كادٍّ غَيْرِ مَرْزُوقٍ وكَمْ مِن آخَرَ يَجِيئُهُ الرِّزْقُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.

وجَعَلَ في ذَلِكَ آياتٍ كَثِيرَةً لِأنَّ اخْتِلافَ أحْوالِ الرِّزْقِ الدّالَّةِ عَلى أنَّ التَّصَرُّفَ بِيَدِ اللَّهِ تَعالى يُنْبِئُ عَنْ بَقِيَّةِ الأحْوالِ فَتَحْصُلُ في ذَلِكَ آياتٌ كَثِيرَةٌ دالَّةٌ عَلى انْفِرادِ اللَّهِ تَعالى بِالتَّصَرُّفِ في نَفْسِ الأمْرِ.

وجُعِلَتِ الآياتُ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ وتَخَلَّقُوا بِهِ ولَمْ تَكُنْ فِيهِ آياتٌ لِلْمُشْرِكِينَ الغافِلِينَ عَنْهُ.