Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ .
انْتِقالٌ مِن إجْمالِ عَظَمَةِ القُدْرَةِ يَوْمَ القِيامَةِ إلى تَفْصِيلِها لِما فِيهِ مِن تَهْوِيلٍ وتَمْثِيلٍ لِمَجْمُوعِ الأحْوالِ يَوْمَئِذٍ مِمّا يُنْذِرُ الكافِرَ ويُبَشِّرُ المُؤْمِنَ. ويُذَكِّرُ بِإقامَةِ العَدْلِ والحَقِّ، ثُمَّ تَمْثِيلُ إزْجاءِ المُشْرِكِينَ إلى جَهَنَّمَ وسَوْقِ المُؤْمِنِينَ إلى الجَنَّةِ.
فالجُمْلَةُ مِن عَطْفِ القِصَّةِ عَلى القِصَّةِ، ومُناسَبَةُ العَطْفِ ظاهِرَةٌ، وعَبَّرَ بِالماضِي في قَوْلِهِ (ونُفِخَ) وقَوْلِهِ (فَصَعِقَ) مَجازًا لِأنَّهُ مُحَقَّقُ الوُقُوعِ مِثْلَ قَوْلِهِ أتى أمْرُ اللَّهِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الواوُ لِلْحالِ بِتَقْدِيرِ (قَدْ) أيْ والحالُ قَدْ نُفِخَ في الصُّورِ، فَتَكُونُ صِيغَةُ الماضِي في فِعْلَيْ (نُفِخَ) و(صَعِقَ) مُسْتَعْمَلَةً في حَقِيقَتِها.
وابْتُدِئَتِ الجُمْلَةُ بِحَدِيثِ النَّفْخِ في الصُّوَرِ إذْ هو مِيقاتُ يَوْمِ القِيامَةِ وما يَتَقَدَّمُهُ مِن مَوْتِ كُلِّ حَيٍّ عَلى وجْهِ الأرْضِ. وتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ في القُرْآنِ والسُّنَّةِ.
والصُّوَرُ: بُوقٌ يُنادى بِهِ البَعِيدُ المُتَفَرِّقُ مِثْلُ الجَيْشِ، ومِثْلُ النِّداءِ لِلصَّلاةِ فَقَدْ كانَ اليَهُودُ يُنادُونَ بِهِ لِلصَّلاةِ الجامِعَةِ، كَما جاءَ في حَدِيثِ بَدْءِ الأذانِ في الإسْلامِ. والمُرادُ بِهِ هُنا نِداءُ الخَلْقِ لِحُضُورِ الحَشْرِ أحْيائِهِمْ وأمْواتِهِمْ، وتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ [الأنعام: ٧٣] في الأنْعامِ. وهو عَلامَةٌ لِأمْرِ التَّكْوِينِ، فالأحْياءُ يُصْعَقُونَ فَيَمُوتُونَ ”كَما يَمُوتُ المَفْزُوعُ“ بِالنَّفْخَةِ الأُولى، والأمْواتُ يُصْعَقُونَ اضْطِرابًا تَدِبُّ بِسَبَبِهِ فِيهِمُ الحَياةُ فَيَكُونُونَ مُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِ الحَياةِ، فَإذا نُفِخَتِ النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ حَلَّتِ الأرْواحُ في الأجْسادِ المَخْلُوقَةِ لَهم عَلى مِثالِ ما بَلِيَ مِن
صفحة ٦٥
أجْسادِهِمُ الَّتِي بَلِيَتْ، أوْ حَلَّتِ الأرْواحُ في الأجْسادِ الَّتِي لَمْ تَزَلْ باقِيَةً غَيْرَ بالِيَةٍ كَأجْسادِ الَّذِينَ صُعِقُوا عِنْدَ النَّفْخَةِ الأُولى، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ زَمَنٌ تَبْلى فِيهِ الأجْسادُ.والِاسْتِثْناءُ مِنِ اسْمِ المَوْصُولِ الأوَّلِ، أيْ إلّا مَن أرادَ اللَّهُ عَدَمَ صَعْقِهِ وهُمُ المَلائِكَةُ والأرْواحُ، وتَقَدَّمَ في سُورَةِ النَّمْلِ ﴿يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ﴾ [النمل: ٨٧] .
و(ثُمَّ) تُؤْذِنُ بِتَراخِي الرُّتْبَةِ لِأنَّها عاطِفَةُ جُمْلَةٍ، ويَجُوزُ أنْ تُفِيدَ مَعَ ذَلِكَ المُهْلَةَ المُناسِبَةَ لِما بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ. و(أُخْرى) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ، أيْ نَفْخَةٌ أُخْرى، وهي نَفْخَةُ مُخالِفٍ تَأْثِيرُها لِتَأْثِيرِ النَّفْخَةِ الأُولى، لِأنَّ الأُولى نَفْخَةُ إهْلاكٍ وصَعْقٍ، والثّانِيَةُ نَفْخَةُ إحْياءٍ وذَلِكَ بِاخْتِلافِ الصَّوْتَيْنِ أوْ بِاخْتِلافِ أمْرَيِ التَّكْوِينِ.
وإنَّما ذُكِرَتِ النَّفْخَةُ الثّانِيَةُ في هَذِهِ الآيَةِ ولَمْ تُذْكَرْ في قَوْلِهِ في سُورَةِ النَّمْلِ ﴿يُنْفَخُ في الصُّورِ فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ وكُلٌّ أتَوْهُ داخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] لِأنَّ تِلْكَ في غَرَضِ المَوْعِظَةِ بِفَناءِ الدُّنْيا وهَذِهِ الآيَةُ في غَرَضِ عَظَمَةِ شَأْنِ اللَّهِ في يَوْمِ القِيامَةِ، وكَذَلِكَ وصْفُ النَّفْخَةِ بِالوَحْدَةِ في سُورَةِ الحاقَّةِ ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ﴾ [الحاقة: ١٣] ﴿وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤] ﴿فَيَوْمَئِذٍ وقَعَتِ الواقِعَةُ﴾ [الحاقة: ١٥] وذُكِرَتْ هُنا نَفْخَتانِ.
وضَمِيرُ (هم) عائِدٌ عَلى ﴿مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ﴾ فِيما بَقِيَ مِن مَفْهُومِهِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ بِ (﴿إلّا مَن شاءَ اللَّهُ﴾) وهُمُ الَّذِينَ صُعِقُوا صَعْقَ مَماتٍ وصَعْقَ اضْطِرابٍ يُهَيَّأُ لِقَبُولِ الحَياةِ عِنْدَ النَّفْخَةِ.
و(إذا) لِلْمُفاجَأةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلى سُرْعَةِ حُلُولِ الحَياةِ فِيهِمْ وقِيامِهِمْ إثْرَهُ. و(قِيامٌ) جَمْعُ قائِمٍ.
وجُمْلَةُ (يَنْظُرُونَ) حالٌ.
والنَّظَرُ: الإبْصارُ، وفائِدَةُ هَذِهِ الحالِ الدَّلالَةُ عَلى أنَّهم حَيُوا حَياةً كامِلَةً لا غِشاوَةَ مَعَها عَلى أبْصارِهِمْ، أيْ لا دَهَشَ فِيها كَما في قَوْلِهِ تَعالى
صفحة ٦٦
﴿فَإنَّما هي زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإذا هم يَنْظُرُونَ﴾ [الصافات: ١٩] في سُورَةِ الصّافّاتِ، أوْ أُرِيدَ أنَّهم يَنْظُرُونَ نَظَرَ المُقَلِّبِ بَصَرَهُ الباحِثَ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ مِنَ النَّظْرَةِ، أوِ الِانْتِظارِ.