Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ .
مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، وحُذِفَ القَوْلُ مِن حَدِيثِ البَحْرِ. والتَّقْدِيرُ: يَقُولُ اللَّهُ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ، فَفِعْلُ القَوْلِ المَحْذُوفِ جُمْلَةٌ في مَوْضِعِ الحالِ، أوِ اسْتِئْنافٌ بَيانِيٌّ جَوابًا عَنْ سُؤالِ سائِلٍ عَمّاذا يَقَعُ بَعْدَ بُرُوزِهِمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ.
والِاسْتِفْهامُ إمّا تَقْرِيرِيٌّ لِيَشْهَدَ الطُّغاةُ مِن أهْلِ المَحْشَرِ عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهم كانُوا في الدُّنْيا مُخْطِئِينَ فِيما يَزْعُمُونَهُ لِأنْفُسِهِمْ مِن مُلْكٍ لِأصْنامِهِمْ حِينَ يُضِيفُونَ إلَيْها التَّصَرُّفَ في مَمالِكَ مِنَ الأرْضِ والسَّماءِ، مِثْلَ قَوْلِ اليُونانِ بِإلَهِ البَحْرِ وإلَهِ الحَرْبِ وإلَهِ الحِكْمَةِ، وقَوْلِ أقْباطِ مِصْرَ بِإلَهِ الشَّمْسِ وإلَهِ المَوْتِ وإلَهِ الحِكْمَةِ، وقَوْلِ العَرَبِ بِاخْتِصاصِ بَعْضِ الأصْنامِ بِبَعْضِ القَبائِلِ مِثْلِ اللّاتِ لِثَقِيفٍ، وذِي الخَلَصَةِ لِدَوْسٍ، ومَناةَ لِلْأوْسِ والخَزْرَجِ. وكَذَلِكَ ما يَزْعُمُونَهُ لِأنْفُسِهِمْ مِن سُلْطانٍ عَلى النّاسِ لا يُشارِكُهم فِيهِ غَيْرُهم كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ ﴿ما عَلِمْتُ لَكم مِن إلَهٍ غَيْرِي﴾ [القصص: ٣٨] وقَوْلِهِ ﴿ألَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهَذِهِ الأنْهارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي﴾ [الزخرف: ٥١]، وتَلْقِيبِ أكاسِرَةِ الفُرْسِ أنْفُسَهم بِلَقَبِ: مَلِكِ المُلُوكِ شاهِنْشاهْ، وتَلْقِيبِ مُلُوكِ الهِنْدِ أنْفُسَهم بِلَقَبِ مَلِكِ الدُّنْيا شاهٍ جَهانِ، ويُفَسِّرُ هَذا المَعْنى ما في الحَدِيثِ في صِفَةِ يَوْمِ الحَشْرِ «ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ» اسْتِفْهامًا مُرادًا مِنهُ تَخْوِيفُهم مِنَ الظُّهُورِ يَوْمَئِذٍ، أيْ أيْنَ هُمُ اليَوْمَ ؟ لِماذا لَمْ يَظْهَرُوا بِعَظَمَتِهِمْ وخُيَلائِهِمْ ؟ !
ويَجُوزُ أيْضًا أنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهامُ كِنايَةً عَنِ التَّشْوِيقِ إلى ما يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الجَوابِ لِأنَّ الشَّأْنَ أنَّ الَّذِي يَسْمَعُ اسْتِفْهامًا يَتَرَقَّبُ جَوابَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِن نَفْسِهِ الجَوابُ عِنْدَ سَماعِهِ فَضْلَ تَمَكُّنٍ، عَلى أنَّ حُصُولَ التَّشْوِيقِ لا يَفُوتُ عَلى اعْتِبارِ الِاسْتِفْهامِ لِلتَّقْرِيرِ، وقَرِيبٌ مِنهُ ﴿وإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ [البقرة: ١٨٦] .
صفحة ١١١
و(اليَوْمَ) المُعَرَّفُ بِاللّامِ هو اليَوْمُ الحاضِرُ، وحُضُورُهُ بِالنِّسْبَةِ إلى القَوْلِ المَحْكِيِّ أنَّهُ يُقالُ فِيهِ، أيِ اليَوْمُ الَّذِي وقَعَ فِيهِ هَذا القَوْلُ كَما هو شَأْنُ أسْماءِ الزَّمانِ الظُّرُوفِ إذا عُرِّفَتْ بِاللّامِ.وجُمْلَةُ (﴿لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾) يَجُوزُ أنْ تَكُونَ مِن بَقِيَّةِ القَوْلِ المُقَدَّرِ الصّادِرِ مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى بِأنْ يَصْدُرَ مِن ذَلِكَ الجانِبِ اسْتِفْهامٌ ويَصْدُرَ مِنهُ جَوابُهُ لِأنَّهُ لَمّا كانَ الِاسْتِفْهامُ مُسْتَعْمَلًا في التَّقْرِيرِ أوِ التَّشْوِيقِ كانَ مِنَ الشَّأْنِ أنْ يَتَوَلّى النّاطِقُ بِهِ الجَوابَ عَنْهُ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ العَظِيمِ﴾ [النبإ: ١] .
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ مَقُولَ قَوْلٍ آخَرَ مَحْذُوفٍ، أيْ فَيَقُولُ المَسْئُولُونَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ إقْرارًا مِنهم بِذَلِكَ، والتَّقْدِيرُ: فَيَقُولُ البارِزُونَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ، فَتَكُونُ مُعْتَرِضَةً.
وذِكْرُ الصِّفَتَيْنِ (﴿الواحِدِ القَهّارِ﴾) دُونَ غَيْرِهِما مِنَ الصِّفاتِ العُلى لِأنَّ لِمَعْنَيَيْهِما مَزِيدَ مُناسَبَةٍ بِقَوْلِهِ ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ﴾ حَيْثُ شُوهِدَتْ دَلائِلُ الوَحْدانِيَّةِ لِلَّهِ وقَهْرِهِ لِجَمِيعِ الطُّغاةِ والجَبّارِينَ.