Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وقالَ مُوسى إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ورَبِّكم مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسابِ﴾ .
هَذا حِكايَةُ كَلامٍ صَدَرَ مِن مُوسى في غَيْرِ حَضْرَةِ فِرْعَوْنَ لا مَحالَةَ، لِأنَّ مُوسى لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَضُمُّهُ مَلَأُ اسْتِشارَةِ فِرْعَوْنَ حِينَ قالَ لِقَوْمِهِ ﴿ذَرُونِي أقْتُلْ مُوسى﴾ [غافر: ٢٦] ولَكِنَّ مُوسى لَمّا بَلَغَهُ ما قالَهُ فِرْعَوْنُ في مِلَئِهِ قالَ مُوسى في قَوْمِهِ ﴿إنِّي عُذْتُ بِرَبِّي ورَبِّكُمْ﴾، ولِذَلِكَ حُكِيَ فِعْلُ قَوْلِهِ مَعْطُوفًا بِالواوِ لِأنَّ ذَلِكَ القَوْلَ لَمْ يَقَعْ في مُحاوَرَةٍ مَعَ مَقالِ فِرْعَوْنَ بِخِلافِ الأقْوالِ المَحْكِيَّةِ في سُورَةِ الشُّعَراءِ مِن قَوْلِهِ ﴿قالَ ألَمْ نُرَبِّكَ فِينا ولِيدًا﴾ [الشعراء: ١٨] إلى قَوْلِهِ ﴿قالَ فَأْتِ بِهِ إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الشعراء: ٣١] .
وقَوْلُهُ ﴿عُذْتُ بِرَبِّي ورَبِّكم مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ﴾ خِطابٌ لِقَوْمِهِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ تَطْمِينًا لَهم وتَسْكِينًا لِإشْفاقِهِمْ عَلَيْهِ مِن بَطْشِ فِرْعَوْنَ.
والمَعْنى: إنِّي أعْدَدْتُ العُدَّةَ لِدَفْعِ بَطْشِ فِرْعَوْنَ العَوْذَ بِاللَّهِ مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسابِ وفي مُقَدِّمَةِ هَؤُلاءِ المُتَكَبِّرِينَ فِرْعَوْنُ.
ومَعْنى ذَلِكَ: أنَّ مُوسى عَلِمَ أنَّهُ سَيَجِدُ مُناوِينَ مُتَكَبِّرِينَ يَكْرَهُونَ ما أرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ إلَيْهِمْ، فَدَعا رَبَّهُ وعَلِمَ أنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ الحِفْظَ وكَفاهُ ضَيْرَ كُلِّ مُعانِدٍ، وذَلِكَ ما حُكِيَ في سُورَةِ طه ﴿قالا رَبَّنا إنَّنا نَخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أوْ أنْ يَطْغى﴾ [طه: ٤٥] ﴿قالَ لا تَخافا إنَّنِي مَعَكُما اسْمَعُ وأرى﴾ [طه: ٤٦]
صفحة ١٢٧
فَأخْبَرَ مُوسى قَوْمَهُ بِأنَّ رَبَّهُ حافِظٌ لَهُ لِيَثِقُوا بِاللَّهِ كَما كانَ مَقامُ النَّبِيءِ ﷺ حِينَ كانَ في أوَّلِ البَعْثَةِ تَحْرُسُهُ أصْحابُهُ في اللَّيْلِ فَلَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿فاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ [الحجر: ٩٤] ﴿إنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزِئِينَ﴾ [الحجر: ٩٥] الآيَةَ أمَرَ أصْحابَهُ بِأنْ يَتَخَلُّوا عَنْ حِراسَتِهِ.وتَأْكِيدُ الخَبَرِ بِحَرْفِ (إنَّ) مُتَوَجِّهٌ إلى لازِمِ الخَبَرِ وهو أنَّ اللَّهَ ضَمِنَ لَهُ السَّلامَةَ وأكَّدَ ذَلِكَ لِتَنْزِيلِ بَعْضِ قَوْمِهِ أوْ جُلِّهِمْ مَنزِلَةَ مَن يَتَرَدَّدُ في ذَلِكَ لِما رَأى مِن إشْفاقِهِمْ عَلَيْهِ.
والعَوْذُ: الِالتِجاءُ إلى المَحَلِّ الَّذِي يَسْتَعْصِمُ بِهِ العائِذُ فَيَدْفَعُ عَنْهُ مَن يَرُومُ ضُرَّهُ، يُقالُ: عاذَ بِالجَبَلِ، وعاذَ بِالجَيْشِ، وقالَ تَعالى ﴿فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: ٩٨] .
وعَبَّرَ عَنِ الجَلالَةِ بِصِفَةِ الرَّبِّ مُضافًا إلى ضَمِيرِ المُتَكَلِّمِ لِأنَّ في صِفَةِ الرَّبِّ إيماءً إلى تَوْجِيهِ العَوْذِ بِهِ لِأنَّ العَبْدَ يَعُوذُ بِمَوْلاهُ.
وزِيادَةُ وصْفِهِ بِرَبِّ المُخاطَبِينَ لِلْإيماءِ إلى أنَّ عَلَيْهِمْ أنْ لا يَجْزَعُوا مِن مُناواةِ فِرْعَوْنَ لَهم وأنَّ عَلَيْهِمْ أنْ يَعُوذُوا بِاللَّهِ مِن كُلِّ ما يُفْظِعُهم.
وجُعِلَتْ صِفَةُ ﴿لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسابِ﴾ مُغْنِيَةً عَنْ صِفَةِ الكُفْرِ أوِ الإشْراكِ لِأنَّها تَتَضَمَّنُ الإشْراكَ وزِيادَةً، لِأنَّهُ إذا اجْتَمَعَ في المَرْءِ التَّجَبُّرُ والتَّكْذِيبُ بِالجَزاءِ قَلَّتْ مُبالاتُهُ بِعَواقِبِ أعْمالِهِ فَكَمُلَتْ فِيهِ أسْبابُ القَسْوَةِ والجُرْأةِ عَلى النّاسِ.