Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كانُوا أكْثَرَ مِنهم وأشَدَّ قُوَّةً وآثارًا في الأرْضِ فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ .
تَفْرِيعُ هَذا الِاسْتِفْهامِ عَقِبَ قَوْلِهِ ﴿ويُرِيكم آياتِهِ﴾ [غافر: ٨١]، يَقْتَضِي أنَّهُ مُساوِقٌ لِلتَّفْرِيعِ الَّذِي قَبْلَهُ وهو ﴿فَأيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ﴾ [غافر: ٨١] فَيَقْتَضِي أنَّ السَّيْرَ المُسْتَفْهَمَ عَنْهُ بِالإنْكارِ عَلى تَرْكِهِ هو سَيْرٌ تَحْصُلُ فِيهِ آياتٌ ودَلائِلُ عَلى وُجُودِ اللَّهِ ووَحْدانِيَّتِهِ وكِلا التَّفْرِيعَيْنِ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ ﴿ولِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً في صُدُورِكم وعَلَيْها وعَلى الفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ [غافر: ٨٠]، فَذَلِكَ هو مُناسَبَةُ الِانْتِقالِ إلى التَّذْكِيرِ بِعِبْرَةِ آثارِ الأُمَمِ الَّتِي اسْتَأْصَلَها اللَّهُ تَعالى لَمّا كَذَّبَتْ رُسُلَهُ وجَحَدَتْ آياتِهِ ونِعَمَهُ.
وحَصَلَ بِذَلِكَ تَكْرِيرُ الإنْكارِ الَّذِي في قَوْلِهِ قَبْلَ هَذا ﴿أوَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِن قَبْلِهِمْ كانُوا هم أشَدَّ مِنهم قُوَّةً﴾ [غافر: ٢١] الآيَةَ، فَكانَ ما تَقَدَّمَ انْتِقالًا عَقِبَ آياتِ الإنْذارِ والتَّهْدِيدِ، وكانَ هَذا انْتِقالًا عَقِبَ آياتِ الِامْتِنانِ والِاسْتِدْلالِ، وفي كِلا الِانْتِقالَيْنِ تَذْكِيرٌ وتَهْدِيدٌ ووَعِيدٌ. وهو يُشِيرُ إلى أنَّهم إنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ تَزَعُهُمُ النِّعَمُ عَنْ كُفْرانِ مُسْدِيها كَشَأْنِ أهْلِ النُّفُوسِ الكَرِيمَةِ فَلْيَكُونُوا مِمَّنْ يَرْدَعُهُمُ الخَوْفُ مِنَ البَطْشِ كَشَأْنِ أهْلِ النُّفُوسِ اللَّئِيمَةِ فَلْيَضَعُوا أنْفُسَهم حَيْثُ يَخْتارُونَ مِن إحْدى الخُطَّتَيْنِ.
صفحة ٢٢٠
والقَوْلُ في قَوْلِهِ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ﴾ إلى قَوْلِهِ ﴿وآثارًا في الأرْضِ﴾ مِثْلُ القَوْلِ في نَظِيرِهِ السّابِقِ في هَذِهِ السُّورَةِ، وخُولِفَ في عَطْفِ جُمْلَةِ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا﴾ بَيْنَ هَذِهِ الآيَةِ فَعُطِفَتْ بِالفاءِ لِلتَّفْرِيعِ لِوُقُوعِها بَعْدَ ما يَصْلُحُ لِأنْ يُفَرَّعُ عَنْهُ إنْكارُ عَدَمِ النَّظَرِ في عاقِبَةِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ بِخِلافِ نَظِيرِها الَّذِي قَبْلَها فَقَدْ وقَعَ بَعْدَ إنْذارِهِمْ بِيَوْمِ الآزِفَةِ.وجُمْلَةُ ﴿فَما أغْنى عَنْهم ما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ مُعْتَرِضَةٌ والفاءُ لِلتَّفْرِيعِ عَلى قَوْلِهِ ﴿كانُوا أكْثَرَ مِنهُمْ﴾ وهو كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿هَذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسّاقٌ﴾ [ص: ٥٧] وقَوْلِ عَنْتَرَةَ:
ولَقَدْ نَزَلْتِ فَلا تَظُنِّي غَيْرَهُ مِنِّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكْرَمِ
وفائِدَةُ هَذا الِاعْتِراضِ التَّعْجِيلُ بِإفادَةِ أنَّ كَثْرَتَهم وقُوَّتَهم وحُصُونَهم وجَنّاتِهِمْ لَمْ تُغْنِ عَنْهم مِن بَأْسِ اللَّهِ شَيْئًا.وجُمْلَةُ ﴿فَلَمّا جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ﴾ الآيَةَ مُفَرَّعَةٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿كانُوا أكْثَرَ مِنهُمْ﴾ أيْ كانُوا كَذَلِكَ إلى أنْ جاءَتْهم رُسُلُ اللَّهِ إلَيْهِمْ بِالبَيِّناتِ فَلَمْ يُصَدِّقُوهم فَرَأوْا بَأْسَنا. وجَعَلَها في الكَشّافِ جارِيَةً مَجْرى البَيانِ والتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ ﴿فَما أغْنى عَنْهُمْ﴾، وما سَلَكْتُهُ أنا أحْسَنُ ومَوْقِعُ الفاءِ يُؤَيِّدُهُ.
وأمّا في لَمّا مِن مَعْنى التَّوْقِيتِ أفادَتْ مَعْنى أنَّ اللَّهَ لَمْ يُغَيِّرْ ما بِهِمْ مِنَ النِّعَمِ العُظْمى حَتّى كَذَّبُوا رُسُلَهُ.
وجَوابُ لَمّا جُمْلَةُ ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ﴾ وما عُطِفَ عَلَيْها.
واعْلَمْ أنَّ المُفَسِّرِينَ ذَهَبُوا في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ طَرائِقَ قِدَدًا ذَكَرَ بَعْضَها الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ سَلَفِ المُفَسِّرِينَ. وأنْهاها صاحِبُ الكَشّافِ إلى سِتٍّ، ومالَ صاحِبُ الكَشْفِ إلى إحْداها، وأبُو حَيّانَ إلى أُخْرى ولا حاجَةَ إلى جَلْبِ ذَلِكَ.
والطَّرِيقَةُ الَّتِي يُرَجَّحُ سُلُوكُها هي أنَّ هُنا ضَمائِرَ عَشْرَةً هي ضَمائِرُ جَمْعِ الغائِبِينَ وأنَّ بَعْضَها عائِدٌ لا مَحالَةَ عَلى ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ وأنَّ وجْهَ النَّظْمِ أنْ تَكُونَ الضَّمائِرُ مُتَناسِقَةً غَيْرَ مُفَكَّكَةٍ فَلِذا يَتَعَيَّنُ أنْ تَكُونَ عائِدَةً إلى مَعادٍ واحِدٍ،
صفحة ٢٢١
فالَّذِينَ ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ﴾ هُمُ الَّذِينَ جاءَتْهم رُسُلُهم بِالبَيِّناتِ، وهُمُ الَّذِينَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ، والَّذِينَ رَأوْا بَأْسَ اللَّهِ، فَما بِنا إلّا أنْ نُبَيِّنَ مَعْنى ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ﴾ .فالفَرَحُ هُنا مُكَنّى بِهِ عَنْ آثارِهِ وهي الِازْدِهاءُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى ﴿إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ﴾ [القصص: ٧٦] أيْ بِما أنْتَ فِيهِ مُكَنًّى بِهِ هُنا عَنْ تَمَسُّكِهِمْ بِما هم عَلَيْهِ، فالمَعْنى: أنَّهم جادَلُوا الرُّسُلَ وكابَرُوا الأدِلَّةَ وأعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ. وما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ هو مُعْتَقَداتُهُمُ المَوْرُوثَةُ عَنْ أهْلِ الضَّلالَةِ مِن أسْلافِهِمْ.
قالَ مُجاهِدٌ: قالُوا لِرُسُلِهِمْ: نَحْنُ أعْلَمُ مِنكم لَنْ نُبْعَثَ ولَنْ نُعَذَّبَ اهـ. وإطْلاقُ العِلْمِ عَلى اعْتِقادِهِمْ تَهَكُّمٌ وجَرْيٌ عَلى حَسَبِ مُعْتَقَدِهِمْ وإلّا فَهو جَهْلٌ.
وقالَ السُّدِّيُّ: ﴿فَرِحُوا بِما عِنْدَهم مِنَ العِلْمِ﴾ بِجَهْلِهِمْ يَعْنِي فَهو مِن قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعالى ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكم مِن عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبِعُونَ إلّا الظَّنَّ وإنْ أنْتُمْ إلّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٨] .
وحاقَ بِهِمْ: أحاطَ، يُقالُ: حاقَ يَحِيقُ حَيْقًا، إذا أحاطَ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلشِّدَّةِ الَّتِي لا تَنْفِيسَ بِها لِأنَّ المُحِيطَ بِشَيْءٍ لا يَدْعُ لَهُ مَفْرَجًا.
و﴿ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ هو الِاسْتِئْصالُ والعَذابُ. والمَعْنى: أنَّ رُسُلَهم أوْعَدُوهم بِالعَذابِ فاسْتَهْزَءُوا بِالعَذابِ، أيْ بِوُقُوعِهِ وفي ذِكْرِ فِعْلِ الكَوْنِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ الِاسْتِهْزاءَ بِوَعِيدِ الرُّسُلِ كانَ شِنْشَنَةً لَهم، وفي الإتْيانِ بِـ يَسْتَهْزِئُونَ مُضارِعًا إفادَةٌ لِتَكَرُّرِ اسْتِهْزائِهِمْ.