﴿وهْوَ خَلَقَكم أوَّلَ مَرَّةٍ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ .

يَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ، والَّتِي عُطِفَتْ عَلَيْها مِن تَمامِ ما أنْطَقَ اللَّهُ بِهِ جُلُودَهم قُتُفِّيَ عَلى مَقالَتِها تَشْهِيرًا بِخَطَئِهِمْ في إنْكارِهِمُ البَعْثَ والمَصِيرَ إلى اللَّهِ لِزِيادَةِ التَّنْدِيمِ والتَّحْسِيرِ، وهَذا ظاهِرُ كَوْنِ الواوِ في أوَّلِ الجُمْلَةِ واوَ العَطْفِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالفِعْلِ المُضارِعِ في قَوْلِهِ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِاسْتِحْضارِ حالَتِهِمْ فَإنَّهم ساعَتَئِذٍ في قَبْضَةِ تَصَرُّفِ اللَّهِ مُباشَرَةً. وأمّا رُجُوعُهم بِمَعْنى البَعْثِ فَإنَّهُ قَدْ مَضى بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ إحْضارِهِمْ عِنْدَ جَهَنَّمَ، أوْ يَكُونُ المُرادُ بِالرُّجُوعِ الرُّجُوعَ إلى ما يَنْتَظِرُهم مِنَ العَذابِ.

ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ هَذِهِ الجُمْلَةُ وما بَعْدَها اعْتِراضًا بَيْنَ جُمْلَةِ ويَوْمَ نَحْشُرُ أعْداءَ اللَّهِ إلى النّارِ وجُمْلَةِ ﴿فَإنْ يَصْبِرُوا فالنّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [فصلت: ٢٤] مُوَجَّهًا مِن جانِبِ اللَّهِ تَعالى إلى المُشْرِكِينَ الأحْياءِ لِتَذْكِيرِهِمْ بِالبَعْثِ عَقِبَ ذِكْرِ حالِهِمْ في القِيامَةِ انْتِهازًا لِفُرْصَةِ المَوْعِظَةِ السّابِقَةِ عِنْدَ تَأثُّرِهِمْ بِسَماعِها.

ويَكُونُ فِعْلُ تُرْجَعُونَ مُسْتَعْمَلًا في الِاسْتِقْبالِ عَلى أصْلِهِ، والكَلامُ اسْتِدْلالٌ عَلى إمْكانِ البَعْثِ.

صفحة ٢٦٩

قالَ تَعالى ﴿أفَعَيِينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هم في لَبْسٍ مِن خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [ق: ١٥] .

وتَقْدِيمُ مُتَعَلِّقِ تُرْجَعُونَ عَلَيْهِ لِلِاهْتِمامِ ورِعايَةِ الفاصِلَةِ.