Welcome to the Tafsir Tool!
This allows users to review and suggest improvements to the existing tafsirs.
If you'd like to contribute to improving this tafsir, simply click the Request Access button below to send a request to the admin. Once approved, you'll be able to start suggesting improvements to this tafsir.
﴿وما يُلَقّاها إلّا الَّذِينَ صَبَرُوا وما يُلَقّاها إلّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ .
عُطِفَ عَلى جُمْلَةِ ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [فصلت: ٣٤]، أوْ حالٌ مِنَ ﴿الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣]، وضَمِيرُ يُلَقّاها عائِدٌ إلى ﴿الَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] بِاعْتِبارِ تَعَلُّقِها بِفِعْلِ ادْفَعْ، أيْ بِالمُعامَلَةِ والمُدافَعَةِ الَّتِي هي أحْسَنُ، فَأمّا مُطْلَقُ الحَسَنَةِ فَقَدْ يَحْصُلُ لِغَيْرِ الَّذِينَ صَبَرُوا.
وهَذا تَحْرِيضٌ عَلى الِارْتِياضِ بِهَذِهِ الخَصْلَةِ بِإظْهارِ احْتِياجِها إلى قُوَّةِ عَزْمٍ وشِدَّةِ مِراسٍ لِلصَّبْرِ عَلى تَرْكِ هَوى النَّفْسِ في حُبِّ الِانْتِقامِ، وفي ذَلِكَ تَنْوِيهٌ بِفَضْلِها بِأنَّها تُلازِمُها خَصْلَةُ الصَّبْرِ وهي في ذاتِها خَصْلَةٌ حَمِيدَةٌ وثَوابُها جَزِيلٌ كَما عُلِمَ مِن عِدَّةِ آياتٍ في القُرْآنِ، وحَسْبُكَ قَوْلُهُ تَعالى ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ [العصر: ٢] ﴿إلّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ٣] .
صفحة ٢٩٥
فالصّابِرُ مُرْتاضٌ بِتَحَمُّلِ المَكارِهِ وتَجَرُّعِ الشَّدائِدِ وكَظْمِ الغَيْظِ فَيَهُونُ عَلَيْهِ تُرْكُ الِانْتِقامِ.ويُلَقّاها يُجْعَلُ لاقِيًا لَها، أيْ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿ولَقّاهم نَضْرَةً وسُرُورًا﴾ [الإنسان: ١١]، وهو مُسْتَعارٌ لِلسَّعْيِ لِتَحْصِيلِها لِأنَّ التَّحْصِيلَ عَلى الشَّيْءِ بَعْدَ المُعالَجَةِ والتَّخَلُّقِ يُشْبِهُ السَّعْيَ لِمُلاقاةِ أحَدٍ فَيَلْقاهُ.
وجِيءَ في يُلَقّاها بِالمُضارِعِ في المَوْضِعَيْنِ بِاعْتِبارِ أنَّ المَأْمُورَ بِالدَّفْعِ بِالَّتِي هي أحْسَنُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ هَذا الخُلُقِ في المُسْتَقْبَلِ، وجِيءَ في الصِّلَةِ وهي الَّذِينَ صَبَرُوا بِالماضِي لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ الصَّبْرَ خُلُقٌ سابِقٌ فِيهِمْ هو العَوْنُ عَلى مُعامَلَةِ المُسِيءِ بِالحُسْنى، ولِهَذِهِ النُّكْتَةِ عَدَلَ عَنْ أنْ يُقالَ: إلّا الصّابِرُونَ، لِنُكْتَةِ كَوْنِ الصَّبْرِ سَجِيَّةً فِيهِمْ مُتَأصِّلَةً.
ثُمَّ زِيدَ في التَّنْوِيهِ بِها بِأنَّها ما تَحْصُلُ إلّا لِذِي حَظٍّ عَظِيمٍ.
والحَظُّ: النَّصِيبُ مِنَ الشَّيْءِ مُطْلَقًا، وقِيلَ: خاصٌّ بِالنَّصِيبِ مِن خَيْرٍ، والمُرادُ هُنا: نَصِيبُ الخَيْرِ، بِالقَرِينَةِ أوْ بِدَلالَةِ الوَضْعِ، أيْ ما يَحْصُلُ دَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ إلّا لِصاحِبِ نَصِيبٍ عَظِيمٍ مِنَ الفَضائِلِ، أيْ مِنَ الخُلُقِ الحَسَنِ والِاهْتِداءِ والتَّقْوى.
فَتَحَصَّلَ مِن هَذَيْنِ أنَّ التَّخَلُّقَ بِالصَّبْرِ شَرْطٌ في الِاضْطِلاعِ بِفَضِيلَةِ دَفْعِ السَّيِّئَةِ بِالَّتِي هي أحْسَنُ، وأنَّهُ لَيْسَ وحْدَهُ شَرْطًا فِيها بَلْ وراءَهُ شُرُوطٌ أُخَرُ يَجْمَعُها قَوْلُهُ ﴿حَظٍّ عَظِيمٍ﴾، أيْ مِنَ الأخْلاقِ الفاضِلَةِ، والصَّبْرُ مِن جُمْلَةِ الحَظِّ العَظِيمِ لِأنَّ الحَظَّ العَظِيمَ أعَمُّ مِنَ الصَّبْرِ، وإنَّما خُصَّ الصَّبْرُ بِالذِّكْرِ لِأنَّهُ أصْلُها ورَأْسُ أمْرِها وعَمُودُها.
وفِي إعادَةِ فِعْلِ ﴿وما يُلَقّاها﴾ دُونَ اكْتِفاءٍ بِحَرْفِ العَطْفِ إظْهارٌ لِمَزِيدِ الِاهْتِمامِ بِهَذا الخَبَرِ بِحَيْثُ لا يَسْتَتِرُ مِن صَرِيحِهِ شَيْءٌ تَحْتَ العاطِفِ.
وأفادَ ﴿ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾: الحَظُّ العَظِيمُ مِنَ الخَيْرِ سَجِيَّتُهُ ومَلَكَتُهُ كَما اقْتَضَتْهُ إضافَةُ ذُو.
صفحة ٢٩٦
وحاصِلُ ما أشارَ إلَيْهِ الجُمْلَتانِ أنَّ مِثْلَكَ مَن يَتَلَقّى هَذِهِ الوَصِيَّةَ وما هي بِالأمْرِ الهَيِّنِ لِكُلِّ أحَدٍ.