﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وهْوَ العَلِيُّ العَظِيمُ﴾

جُمْلَةُ لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مُقَرِّرَةٌ لِوَصْفِهِ (العَزِيزُ الحَكِيمُ) لِأنَّ مَن كانَ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مُلْكًا لَهُ تَتَحَقَّقُ لَهُ العِزَّةُ لِقُوَّةِ مَلَكُوتِهِ، وتَتَحَقَّقُ لَهُ الحِكْمَةُ لِأنَّ الحِكْمَةَ تَقْتَضِي خَلْقَ ما في السَّماواتِ والأرْضِ وإتْقانَ ذَلِكَ النِّظامِ الَّذِي تَسِيرُ بِهِ المَخْلُوقاتُ.

ولِكَوْنِ هَذِهِ الجُمْلَةِ مُقَرِّرَةً مَعْنى الَّتِي قَبْلَها كانَتْ بِمَنزِلَةِ التَّأْكِيدِ فَلَمْ تُعْطَفْ عَلَيْها.

صفحة ٢٩

وجُمْلَةُ وهو العَلِيُّ العَظِيمُ عَطْفٌ عَلَيْها مُقَرِّرَةٌ لِما قَرَّرَتْهُ الجُمْلَةُ قَبْلَها فَإنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالعَلاءِ والعَظَمَةِ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَزِيزًا لَتَخَلَّفَ عَلاؤُهُ وعَظَمَتُهُ، ولا يَكُونُ إلّا حَكِيمًا لَأنَّ عَلاءَهُ يَقْتَضِي سُمُوَّهُ عَنْ سَفاسِفِ الصِّفاتِ والأفْعالِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ عَظِيمًا لَتَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِسَفاسِفِ الأُمُورِ ولَتَنازَلَ إلى عَبَثِ الفِعالِ.

والعُلُوُّ هُنا عُلُوٌّ مَجازِيٌّ، وهو السُّمُوُّ في الكَمالِ بِحَيْثُ كانَ أكْمَلَ مِن كُلِّ مَوْجُودٍ كامِلٍ. والعَظَمَةُ مَجازِيَّةٌ وهي جَلالَةُ الصِّفاتِ والأفْعالِ.

وأفادَتْ صِيغَةُ الجُمْلَةِ مَعْنى القَصْرِ، أيْ لا عَلِيَّ ولا عَظِيمَ غَيْرُهُ لِأنَّ مَن عَداهُ لا يَخْلُو عَنِ افْتِقارٍ إلَيْهِ فَلا عُلُوَّ لَهُ ولا عَظَمَةَ. وهَذا قَصْرُ قَلْبٍ، أيْ دُونَ آلِهَتِكم فَلا عُلُوَّ لَها كَما تَزْعُمُونَ. قالَ أبُو سُفْيانَ: (اعْلُ هُبَلُ) .

وتَقَدَّمَ مَعْنى هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ في خِلالِ آيَةِ الكُرْسِيِّ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ.